رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
المشرف العام على التحرير
محمود الشاذلى
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

حسام فوزي جبر بكتب .. مرارة الرأي المخالف قد تكون الدواء 

جميعنا يدرك أن الجمال وصواب الرأي أمر نسبي وأن الكمال لله وحده سبحانه، والنسبية مسألة حتمية في كل ما يتعلق بالعلوم الإنسانية فالأخطاء واردة دومًا فالعصمة من الخطأ أمر غير إنساني فكل البشر خطاؤون، وقد سبقنا نبينا الكريم قبل مايقرب من أربعة عشر قرن عندما قال"كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، بل الصواب والخطأ فيه قدر كبير من النسبية على حسب زاوية نظرك للأمر وتكوين وجهة نظرك من خلالها، ولكن من أهم المبادئ الانسانية الأساسية هو أن نتعلم من أخطائنا، ولا نكابر بعنجهية فنضاعف التبعات السلبية للأمور التي كنا نراها صحيحة وإكتشفنا خطأها بعد مدة فالإعتراف بالحق فضيلة بل وشرف ونبل أخلاقي واجب، فالخيارات الخاطئة واردة دائمًا خاصة في السياسة والاقتصاد والإجتماعيات وغيرها ومحاولة التصحيح والسعي نحوه واجب علينا جميعًا، فتتعلم من تلك الأخطاء، ليس فقط لتفادي تكرارها في المستقبل بل وللاستفادة من دروسها لتجاوز النتائج السلبية وتحقيق ما هو أفضل وعلينا فورًا الكف عن تبرير الخيارات الخاطئة على أنها ابداع غير مسبوق مستخدمًا مبدأ حقي في الرأي البديل وما هو إلا رأي لمجرد الغطرسة والعجرفة، وتاريخ البشرية ملئ بنماذج الخيارات الخاطئة تلك التي كان بعضها دروسًا لجماعات وأمم تعلمت واستفادت منها وتجاوزتها إلى ما هو أفضل محققة تقدمًا وتطورًا وبعضها الآخر كان تدهور وتراجع لمن تمادى في عنجهيته معتبرًا أنها أفضل الخيارات رغم الأدلة على أنها خاطئة، ورغم أن التاريخ يمدنا بالعبر ويسند قدرتنا على التعامل مع تحديات عصرنا وطموحات مستقبلنا، إلا أن البعض في غمرة زهوه وغروره أو ربما غفلته وإهماله لا يلتفت لدروس التاريخ، بل ويُهمل من حوله من ناصحين أمناء مستعينًا بشياطين الأنس الذي يوافقون علي أي خطأ لمجرد تواجدهم وحماية مصالحهم الشخصية غير مهتمين إلا بأنفسهم ومصالحهم القريبة ممن أسمتهم اللغة "بطانة السوء"، فبئس البطانة من يوافقون قائدهم أو مديرهم أو رب عملهم في كل شيء حتي وإن كان خطأ ومؤدي إلي مهلكة وبئس القائد صاحب الرأي الأوحد دون شوري أو مشاورة.

فللأسف هناك من يبحث دومًا عن رأي يود سماعه، لكن الحقيقة أن مرارة الرأي المخالف قد تكون هي الدواء الشافي ومن يتجاهل الآراء الصريحة هو كمن يغض الطرف عن إشارات الطريق أو المرور فينتهي به المطاف إلى غير وجهته، وصاحب الرأيدائمًا عزيز فهو لا يأتي بالضرورة بل يُؤْتى إليه ويُبحث عنه، وهذه سنة كونية حتى لا يبقى المتفرد بقراراته مترفعًا في برجه العاجي لأنه سيضطر حتما للنزول بحثًا عن من يرشده والقاعدة دائمًا ما خاب من استشار، وربما ما يجعل آراءنا أو قراراتنا مُعْوَّجة، عدم الانتباه إلى قضية الدقة في المعلومة. فبعض المعلومات نأخذها على عواهنها لنكتشف أنها كانت مبنية على افتراض كأن يفترض المشتري أن البائع لن يبيعه أو العكس، أو أن شريكك أو مديرك لن يقبل باقتراحك أو عذرك، فنأخذ موقفًا متسرعًا أو عدائيًا وذلك لأننا سمحنا لأنفسنا أن نصدق الافتراض، مثل من يكذب ويصدق كذبته، وعلينا أن ننبه أنفسنا دائمًا أن الافتراض شيء والحقيقة شيء آخر، وليس كل ما يصلح للناس يصلح لي شخصيًا فقد خلقنا الله تبارك وتعالي مختلفين، وما يعرج بِنَا إلى متاهات القرارات غير الرشيدة اندفاعنا نحو رأي لا يستند إلى أسانيد قوية فنضر أنفسنا والآخرين، يمكن أن يتحمل الإنسان تبعات قراره الشخصي، لكن من غير المقبول أن يتهور بقرار عجول يمس مصالح الناس أو صحتهم أو أرواحهم من دون عناء استشارة مستندًا علي أهل الخبرة مستعينًا بأهل الثقة ولو إجتمعت الخبرة والثقة في أحدهم فهو الملاذ للخروج من المنعطف الخطر بعد الله.

إن وجود الاختلافات في الآراء ما بين الأشخاص هو أمر طبيعي، إذ إن اختلاف الرأي من المفترض أن لا يفسد للود قضية، إلا أنّ المشكلة تكمن في عدم تقبل هذا الاختلاف، والتعصب إلى الرأي الفردي، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تدهور العلاقات بين الناس، وزرع الكره والحقد في قلوبهم، وتحدث مشكلات إجتماعية أو تجارية ربما من الصعب حلها، والأشخاص الذين يتشبثون بآرائهم دون الحياد عن تغييرها في النقاشات، أشخاص أكثر صعوبة في التعامل والتواصل الاجتماعي؛ ذلك لأن الشخص الذي يتمسك برأيه إنما تأتي قناعاته من شعوره الدائم بأنه الشخص الذي على صواب مطلق، ولا ينبغي له الخضوع لآراء الآخرين لانه دائمًا يري نفسه علي صواب، رافضًا تغيير قناعاته الشخصية، وهو مريض يجب علاجه،فالنقاشات مع مثل هؤلاء عقيمة، ولا جدوي منها لانه يرفض أن يحترم آراء الآخرين أو الإصغاء إليها، وهؤلاء هم أصعب من تتعامل معهم سواء في مجال العمل أو الحياة الخاصة أوالعامة، وللحق أقول أن التمسك بالرأي حينما تمس القيم والدين الصحيح، تكون حالة صحية وفي محلها، إلاّ أن التمسك بالرأي لمجرد الفكرة لا للمحتوى، فهذه حالة سلبية، لذلك فالتغيير  لا بد أن يبدأ من الأسرة في الصغر من خلال الحوار، فكما تعلم المرء منذ الطفولة معنى الحوار وأصل الحوار واحترام الرأي الآخر وترك مساحة للآخرين، هذه الأمور تصل بنا إلى عدم التمسك بالرأي لمجرد الاحتفاظ به، بل أن هناك من يفتخر بإبنه أو أخيه أنه مثال يُضرب به في التمسك بالرأي ولا يتراجع عنه أبدًا، وهذا ليس بداعي للفخر أبدًا علي العكس، فالتمسك بالرأي الخاطئ يمثل ضرر على الآخرين، ويجب علاجها فورًا والعودة للمنهج القرآني النبوي دائمًا ما يكون الحل والملاذ الآمن للجميع فيقول رب العزة "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"، وهو سبحانه القادر علي أن يخبر نبيه بكل وأي شيء دون مشورة من أحد وكان الرسول وهو القدوة الحسنة، دائمًا يشاور أصحابه امتثالًا لأمر الله تعالى، وكان يأخذ بالرأي السديد من أي شخص كان إذ أن طالب المشورة إنما يبحث عن الرأي الذي يبدو أنه يحقق المصلحة فقد شاور الرسول أصحابه في غزوة الخندق، و في غزوة بدر، و في أسارى بدر، و في غزوة أحد، و في غيرها من المواقف الكثيرة، ليعلمنا أنه لا خاب من إستشار فمرارة الرأي المخالف قد تكون الدواء.