تاهت الحقائق تأثرا بالصخب الذى بلا فهم ، والضجيج الذى بلا وعى .
نبهنى ماطرحته بالأمس بشأن هذا الإسفاف الفنى إستعدادا لشهر رمضان المعظم إلى ضرورة تناول رساله الفن طبقا لقناعاتى ، والتي لاشك تختلف تماما عما يصدروه لنا بشأن ما سيعرض في شهر رمضان المعظم ، وهى لاشك رساله نبيله لأنها تغوص فى أعماق الواقع وتتناغم مع حاجات المجتمع للتصويب ، أو التجويد ، أو التنبيه ، ورب عمل درامى أكبر تأثيرا من ألف خطبه ودرس دينى فى مسجد ، هكذا قال لى أستاذى الحبيب الكاتب الصحفى الكبير والمؤرخ العظيم جمال بدوى رحمه الله يوم وجد على وجهى دهشه تأثرا بأننى القادم إلى القاهره من قاع الريف المصرى حيث بلدتى بسيون كيف له أن يتناول بقلمه الفن الذى ينظر إليه نظرة ريبه ، وأحيانا نظرة إستهجان ، وذلك تأثرا بتكليفه لى فى الثمانينات بتغطية مسرحيه كان يمثل فيها إبن بلدتنا الفنان محب كاسررحمه الله بمسرح يقع بشارع رمسيس ، رغم أننى لم أكن أعمل بقسم الفن ، وكانت تجربه ثريه بحق حيث منحتنى فرصه لمعرفة جانبا خفيا من حياة المبدعين ، وكيف أنهم على مستوى عالى من الإحساس والعطاء ، وكيف أن بهم أصحاب قلوب تنبض بأحاسيس الناس ، وأضاف لى صديقى العزيز المحرر الفنى حمدى بسيط جوانب كثيره عن هذا العالم كنت أجهلها .
رسخت لدى تلك التجربه أهمية الفن فى حياة الشعوب ، خاصة عندما يهدف إلى الرقى ، والإبداع الذين هما أحد أهم عوامل التقدم الذى ننشده بالمجتمع ، لأن به تتمخض الأفكار ، وتتولد الآراء ، وتتنامى الموضوعات وجميعها تخرج من رحم المجتمع ، وتهدف إلى إحداث حاله من التقدم والرقى ، وتنبيه المجتمع إلى أهمية التمسك بالفضائل ، والإبتعاد عن المساخر ، وتحفيز أبناء الوطن نحو العمل والإنتاج ، ويأتى حرية الإبداع من الثوابت المجتمعيه فى المجتمع المحترم طالما كان منطلقه هادف ويصب فى صالح مجتمعنا الذى يتمسك بالإحترام ، ويرفض الأسوياء فيه التدنى ، والإنحطاط ، ويبقى خروجه عن هذا الهدف جموح ، وجنوح ، وإنحطاط .
دائما مايحدث جدل كبير بشأن مايعرض من أفلام أو مسلسلات ، وأرى ذلك طبيعيا بل ظاهره صحيه لأنها تبرز الرأي والرأى الآخر ، وهنا نتابع لنستفيد بكل الآراء ، بالضبط كما حدث ذات يوم بشأن تلك الحاله من الجدل الشديد والعقيم التي صاحبت عرض فيلم " أصحاب ولاأعز " تبعها صخب بلا فهم ، وضجيج بلا وعى ، تاهت بينهما الحقائق ، حيث إنقسمت الآراء حول الفيلم ما بين مؤيد له يرى أن الفن يناقش أي موضوع مهما كانت جرأته ، ومعارض يعتقد أن الفيلم محتواه جريء وغير مناسب للثقافة العربية بل ويحرض على المثلية الجنسية ، والخيانة الزوجية ، ويتنافى مع قيم وأعراف المجتمع المصري ، تبع ذلك غموض شديد رسخه الدكتور خالد عبدالجليل رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية ، عندما أكد في تصريحاته ، بأن العمل ليس له علاقة بمصر لا من قريب أو من بعيد ، خاصة أنه لبناني ولسنا طرفًا فيه بأي شكل من الأشكال وأضاف في تصريحات له خلال مداخلة هاتفية في حينه مع الإعلامي سيد على ببرنامج « حضرة المواطن » على قناة الحدث اليوم ، أن المنصة التي عُرض من خلالها دولية ولم يطلبوا عرضه للعام في مصر وإذا حدث ذلك سيُعرض على الرقابة ويخضع لمعايرها وشروطها ، وكأن الجدل الدائر حول مصريته ولبنانيته وليس محتواه الذى جسده ممثلين مصريين ، الكارثه قوله أنه لم يشاهد الفيلم لكنه في المقابل يرفض أي شيء يخرج عن القيم والتقاليد والمعايير الرقابية الصارمة الموجودة في مصر لن يُعرض .
قولا واحدا لمن يعى إن الترويج للفكر الغربى من خلال عمل سينمائى كما فى هذا الفيلم مأساه بكل المقاييس وخروج عن المفهوم الحقيقى للفن الهادف المحمل بفلسفه ورؤيه . ماأزعجنى أن مصر بكل تاريخها الفنى ، وعمالقتها من الفنانين ، والمخرجين ، والمنتجين ، نرى فيها من يطالب بتقييم العمل الفنى بالنسبه للفيلم من حيث الدراما ، والأداء بعيدا عن المنظور الأخلاقى ، لأن العمل الفنى على حد قولهم يقدم فكر ، ويطرح رؤيه ، ومادون ذلك أدوات تعبر عن هذا النهج ، دون إدراك منهم أن السينما عمل أدبى ، وفكرى على المستوى الإبداعى ، وتفريغ السينما عن ذلك إجرام بإمتياز ، ومنهج لتسطيح المجتمع ، ومقدمه لترسيخ الموبقات بالمجتمع . يبقى السؤال هل للمال الأجنبي علاقه بما يحدث من هزل في ذلك السياق ؟