محبة الخير للناس من صفات المؤمنين المخلصين، أما الشماتة والكراهية والحسد فهي من صفات خبثاء النفس الحاقدين، قال تعالى عنهم: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا}[آل عمران: 120]، هذه القلوب السوداء التي لم يسلم أحدٌ من شرها حتى النبي صلى الله عليه وسلم تمنى له المشركون الشر العظيم، فقال تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}[القلم: 51]؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من شماتة الشامتين ويقول: "اللهم احفظني بالإسلام قائما، واحفظني بالإسلام قاعدا، واحفظني بالإسلام راقدا، ولا تُشْمِتْ بي عدوا ولا حاسدا", وحثنا جميعاً على الاستعاذة بالله من شر الشامتين والحاسدين وان نقول ثلاثا في كل صباح ومساء: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[الفلق: 1 - 5].
ولقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم الشامت الحاقد أن تدور عليه دائرة السوء، فقال: "لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك".
إذا ما الدّهر جرّ على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا
قل للشّامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشّامتون كما لقينا
والشماتة هي كراهية الخير للناس، وتمني الشر لهم وزوال النعمة عنهم، وفي المقابل هي أيضاً إمعان في تزكية النفس وتكريس لحب الذات والأنانية، والأناني الذي يقدم نفسه على مَن هو أجدر منه علماً أو سناً أو فضلاً، بل ربما يقدم نفسه على أبيه وأمه، وقد قال الله تعالى عن شيخ الأنانية الشيطان الرجيم وهو يقدم نفسه على نبي الله آدم عليه السلام: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[ص: 76].
وعنوان الفلاح والنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة هو التخلص من هذا الداء العضال؛ ولهذا قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: 9]، أما من زاد مرضه وتفاقم خطره فلا يُقبل ولا ينفع عند الله، قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء: 88، 89]، وقال تعالى في مدح الخليل إبراهيم عليه السلام: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الصافات: 83، 84].
والرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة "، فتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فبات عنده، لينظر ما يعمل، فيقتدي به، فلم يره يعمل عملا كثيرا، فسأله ما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق؛ لأن مرض الشماتة والبغضاء قد تجذر في النفوس، وتوارثه الناس جيلا بعد جيل: "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ"، فظلمة النفوس مرض الزمان وسواد القلب يطمس ملامح الإيمان.