لعلنا تابعنا كلام المطرب إسماعيل الليثي عن الموت وقرب الرحيل عن الدنيا وما هي إلا ساعات قليلة وأصيبت سيارته بحادث مروع، والذي أودى بحياته على الفور، وتحقق ما نطق به ووقع ما تحدث به لنتذكر بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "البلاء موكل بالقول".
وقصة أخرى لزميل لنا توفي بفيروس كورونا قبل مناقشة رسالة الماجستير بأيام قليلة، وكانت صدمة لأهله وزملائه وأحبابه، وبعد وفاته، لما نظرنا إلى صفحته على الإنترنت وجدناه كثيرًا ما يتكلم عن الموت وعن الوفاة وعن لقاء الله تبارك وتعالى، وكأنه استعجل لقاء الموت فلقيه.
وفي الأثر: "أقداركم تؤخذ من أفواهكم"، فمن توقع المرض مَرِض، ومن توقع البلاء ابتُلي، ومن تمنى الموت مات، كما جاء عن هذا الشيخ الكبير الذي عاده النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليه أثر الحُمَّى، فقال: لا بأس، طهور -إن شاء الله – فقال الشيخ: بل حُمَّى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنعم إذن، فما أمسى الرجل إلا ميتاً.
ومن هذا الباب نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دعاء الإنسان على نفسه، فقال: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، فيستجيب الله لكم"، فلا ندعو على الأبناء إلا بالخير والبركة، حتى تحل على البيوت الخير والبركة، وجاء رجل إلي عبد الله بن المبارك فشكا إليه بعض ولده، فقال عبد الله: هل دعوت عليه؟ قال: نعم، قال عبد الله: أنت أفسدته، أي بدعائك عليه.
ومن ذلك كثرة الحديث عن الحسد والحاسدين حتى يُصاب الإنسان بالعين والحسد، حيث يقول بعض العلماء: مكثت في أمريكا عشرين سنة ما رأيت محسودًا ولا مسحورًا من غير المسلمين، لماذا؟ لأنهم لم يشغلوا أنفسهم بالحسد أو السحر، أما من شغل نفسه بهما فقد هيأ نفسه للإصابة بهما، وكما يُقال في الأمثال العامية: (اللي يخاف من العفريت يطلع له)، حتى ولو في المنام؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحدث الإنسان بالكوابيس المزعجة لأحدٍعلى الإطلاق، حتى لا يتحقق هذا الكابوس، ولهذا قال يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام: {يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يوسف: 5]، أما الرؤيا الصالحة فإن الإنسان يُخبر بها مَن يُحِب؛ حتى يُبشره بالخير؛ فيتحقق الخير بمشيئة الله تعالى.
ويصدق ذلك ما جاء في قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}[الذاريات: 22، 23]، أي أن أنواع الرزق في السماء تنزل عليكم بمثل ما تنطقون حقيقة، فمن نطق خيرًا أصابه الخير، ومن نطق شرًا أصابه الشر، ومن تفاءل خيرًا أصابه الخير، ومن تفاءل شرًا أصابه الشر، فالمنطق هو بوابة الرزق.
فالبلاء موكل بالمنطق، فليتخير الإنسان من الكلام أطيبه ومن المنطق أعذبه، وليحذر من كلام السوء ولو يسيراً فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي"، فكلمات الزهق والقلق والضيق لا تجلب إلا الزهق والقلق والضيق.