رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. منوعات

أجيال الذكاء الاصطناعى.. أسـرى «العالم الافتراضى»

 

الخبراء: التحول الرقمى سلاح ذو حدين.. والرقابة على المراهقين هامة جدا

 

فى عصر الثورة الرقمية، أصبح الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا عنصرين أساسيين فى تشكيل عقلية الشباب وسلوكهم. تحوّلت مصادر المعرفة والتواصل من الكتب إلى المنصات الرقمية، فبات الشاب يعيش فى عالم مفتوح يعيد صياغة تفكيره ورؤيته للحياة.

لم تعد التكنولوجيا مجرد أداة، بل أصبحت جزءًا من تكوينه النفسى والمعرفى. . ولكن ما تأثير ذلك عليه؟ وكيف يتعامل معها بشكل يحميه من أضرارها؟

فى هذا التحقيق نحاول تسليط الضوء على التحولات العميقة التى أحدثتها التكنولوجيا فى تفكيرهم وتفاعلهم مع العالم، بين فرص التطور ومخاطر التبعية الرقمية.

ترى "مى عبد الحميد"،  خريجة كلية الإعلام جامعة القاهرة، أن التطور التكنولوجى لم يؤدِّ إلى زيادة الوعى كما كان متوقعًا، بل انعكس سلبًا على الشباب.. فقد تحوّل الهاتف المحمول من وسيلة للتعليم واكتساب المعرفة إلى أداة لهدر الوقت والانشغال بمحتوى غير هادف مثل فيديوهات "التيك توك"، مشيرة إلى انتشار هوس المراهقين بالتصوير لأنفسهم وللآخرين بطرق تمسّ الخصوصية وتتنافى مع القيم الأخلاقية.

وأكدت مى على أهمية الرقابة والتوعية من الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام لترشيد استخدام التكنولوجيا وتنمية وعى الشباب بما يحافظ على قيم المجتمع.

فيما يقول "أحمد الشريف" مهندس فى التكنولوجيا والمعلومات: تُعد مرحلة الشباب مرحلةً انتقالية بين الطفولة والرشد، تمتد من سن الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة، وتشهد تغيرات جسدية ونفسية وعقلية واجتماعية واضحة، يسعى خلالها الشاب إلى تكوين هويته واستقلاله، فتنمو قدراته على التفكير والتحليل، رغم ما يواجهه أحيانًا من صعوبة فى ضبط الانفعالات والتعامل مع التحديات، ومع التطور التكنولوجى الهائل وانتشار وسائل التواصل الاجتماعى،  تغيّر شكل حياة الشباب تماما، فبعد أن كان التواصل قائمًا على الأسرة والعلاقات الواقعية، أصبح اليوم افتراضيًا عبر الإنترنت، مما زاد من تأثير الأصدقاء والإعلام الرقمى فى تشكيل شخصية الشباب وسلوكياتهم.

ويضيف: حتى نتخطى هذه التصرفات لا بد أن تحمل التكنولوجيا جوانب إيجابية عديدة، من أبرزها توسيع آفاق المعرفة، وتسهيل التعليم والتواصل، وتنمية المهارات من خلال التعلم الإلكترونى.  لكنها فى المقابل لا تخلو من سلبيات مؤثرة، مثل العزلة الاجتماعية، وضعف الروابط الأسرية، والإدمان على الشاشات، والتعرض لمحتويات غير مناسبة، ما ينعكس سلبًا على الصحة النفسية والسلوك الاجتماعى.

ويكمل: لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى والذكاء الاصطناعى جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للشباب، حتى إن بعضهم فقد الإحساس بمخاطرها، فكشف أسرار حياته أو عاش فى عزلة رقمية عن الواقع.

وقد تتطور هذه الآثار لدى البعض إلى الاكتئاب أو حتى الانتحار، فى ظل غياب الوعى والرقابة الأسرية.

ورغم ذلك، لا يمكن إنكار أن الإنترنت أسهم فى نشر الثقافة والتعليم والعمل والتجارة الإلكترونية، وفتح آفاقًا واسعة أمام الشباب للتعلم والابتكار والمعرفة.

وفى نهاية الأمر، يعيش شاب اليوم بين عالمين متوازيين: عالم واقعى تحكمه القيم والعلاقات الإنسانية، وعالم افتراضى تسيطر عليه الشاشات والتقنيات الحديثة، وبينهما تتشكل هويته الجديدة فى زمن الذكاء الاصطناعى.

من جانبه، أوضح المهندس "أحمد شفيق"، خبير تكنولوجيا المعلومات، أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين منذ سنوات، إذ أصبح الإنسان مرتبطًا بها منذ ولادته تقريبًا، فاليوم نرى الأطفال فى عمر السنة يستخدمونها من خلال مشاهدة الفيديوهات على منصة "يوتيوب"، لترافقه التكنولوجيا فى مختلف مراحل حياته.

وأضاف: أن مرحلة الشباب تُعد من أكثر المراحل حساسية وصعوبة، فهى نتاج مباشر لما سبقها من تربية وتوجيه، ففى الماضى،  قبل انتشار الهواتف الذكية والطفرة التكنولوجية، كان المراهق يعيش حياة اجتماعية أكثر توازنًا تحكمها القيم والضوابط الأسرية، أما الآن فقد بات يعيش فى عالم افتراضى ينعزل فيه تدريجيًا عن الواقع، مما يجعله أكثر عرضة لمشاعر الوحدة والاكتئاب؛ وأشار إلى أن الهاتف الذكى أصبح الصديق الأقرب للمراهق، ومع انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعى تحولت التكنولوجيا إلى مرشد وموجه، لكنها للأسف ليست رقيبًا. لذلك، لا يمكن اعتبار استخدام المراهق للتكنولوجيا أمرًا سلبيًا فى حد ذاته، بل تقع المسئولية الكبرى على الأسرة فى المتابعة والتوجيه، لضمان توجيه هذا "السلاح ذى الحدين" نحو الاستخدام الإيجابى والبنّاء.

من جانبها تناولت الباحثة هناء أبو مسلم السيد  على،  باحث ماجستير فى التربية الخاصة واستشارية علاقات أسرية وتعديل سلوك، فى رؤيتها حول “تأثير الذكاء الاصطناعى على الشباب: رحلة التغيرات النفسية والاجتماعية فى زمن التكنولوجيا”، وعن ذلك تقول عن مفهوم المراهقة وتطورها عبر الأجيال: أن المراهقة تمثل مرحلة انتقالية بين الطفولة والرشد، تمتد تقريبًا من سن 12 إلى 18 عامًا، وتشهد صراعًا داخليًا بين الرغبة فى الاستقلال والحاجة إلى الدعم، إلى جانب تقلبات مزاجية وبحث مستمر عن الهوية والانتماء الاجتماعى؛ فى الماضى كان الشباب أكثر استقرارًا وهدوءًا؛ إذ ساد الاحترام داخل الأسرة والمجتمع، وكانت العلاقات الاجتماعية مباشرة ودافئة، تقوم على التواصل الإنسانى الحقيقى،  فيما لعبت الأسرة دورًا محوريًا فى التربية والتوجيه، مما قلّل من حدة الاضطرابات النفسية والسلوكية.

وتكمل: أما اليوم، فقد تغيّر وجه الشباب بفعل التكنولوجيا وثورة الاتصالات؛ إذ أصبح المراهق يعيش فى عالم افتراضى مفتوح يختلط فيه الواقع بالخيال، ورغم إيجابيات التكنولوجيا فى تسهيل التعلم وتنمية المواهب والتعبير عن الذات، إلا أن سلبياتها عديدة، أبرزها: العزلة الاجتماعية، والمقارنة المفرطة بالآخرين، والتأثر بالمحتوى غير المناسب، وضعف الروابط الأسرية، كما ظهرت ظاهرة “المراهقة المبكرة” نتيجة التعرض المبكر للمحتوى الإلكترونى.

وتضيف: أجد أن التعامل مع المراهق فى هذا العصر يجب أن يقوم على الاحتواء والفهم لا المراقبة والعقاب، مع منحه حرية مسئولة، وتعليمه التفكير النقدى والاستخدام الواعى للتكنولوجيا، وتعزيز ثقته بنفسه دون مقارنات، إلى جانب متابعة ما يتعرض له إلكترونيًا بأسلوب غير مباشر، وتنمية الجوانب الروحية والقيمية للحفاظ على التوازن بين التقدم والهوية الأخلاقية،  بالتأكيد على أن فئة الشباب لم تعد مجرد مرحلة عمرية، بل ظاهرة اجتماعية وثقافية معقدة تتطلب وعيًا أسريًا وتربويًا ودينيًا لحماية هذا الجيل وتوجيهه بحب وحكمة، حتى يصبح الشاب الواعى مشروع إنسان ناجح فى المستقبل.

ويقول الدكتور مصطفى الديب - استشارى الصحة النفسية - إن مرحلة الشباب تغيّرت كثيرًا عن الماضى بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعى والتكنولوجيا، التى أثّرت فى طريقة تفكير الشباب ونوعية المعلومات التى يتلقونها، وكثير منها غير موثوق أو غير مناسب.. هذا التعرض الدائم لمحتويات تروّج للتنافسية الزائدة وتغذية الأنا (مثل بعض الأغانى والأفلام والمحتوى الإلكترونى) أدى إلى ظهور سلوكيات منحرفة وأفكار خاطئة، وارتفاع معدلات العنف وسوء التعامل مع الآخرين.

وأشار إلى أن العلاقات فى الماضى كانت أكثر احترامًا واستقرارًا بين الأصدقاء، والمعلمين، وأفراد الأسرة، بينما تسببت وسائل التواصل فى “تسخيف” القيم والرموز المجتمعية، مما خلق فجوة ثقافية بين الأجيال. ونتيجة لذلك، أصبح هناك نوعان من الشباب: أحدهما متمسك بقيمه وأسرته، والآخر منجرف وراء المظاهر والثراء السريع من خلال تقليد الغرب.

وأكد أن الحل يحتاج إلى تعاون مؤسسات المجتمع كافة  من الأسرة والمدرسة إلى الأندية ووزارات الشباب  لغرس الهوية والانتماء والقيم الأصيلة، مع بقاء دور الأسرة هو الأهم، كما دعا إلى التحكم فى استخدام الهواتف ومراقبة المحتوى الذى يتعرض له المراهقون لحمايتهم من الانجراف وراء الأفكار السلبية.

وأوضح أن المراهق اليوم يعيش فى مفترق طرق بين الموروث التقليدى والعصر الرقمى،  ولم تعد المعرفة تأتى فقط من الأسرة والمدرسة، بل أصبحت الفضاءات الرقمية تشكّل وعيه وتوجّه سلوكه، لكن هذا الانفتاح يحمل مخاطر فكرية، إذ قد يجعل الشباب يقلّدون دون وعى بدلًا من التفكير النقدى والإبداعى.

واختتم بالتأكيد على مسئولية الأسر والمؤسسات التعليمية فى توجيه المراهقين نحو الاستخدام الإيجابى للتكنولوجيا، وتنمية التفكير النقدى لديهم، وبناء توازن بين الأصالة والمعاصرة، لأن التغيير الحقيقى يبدأ من الوعى والفكر المسئول مع الحفاظ على القيم الأخلاقية فى ظل هيمنة العالم الرقمى.

كما أوضح الدكتور "محمد عبد القادر الطحان"، أستاذ واستشارى علم النفس للأطفال والمراهقين بجامعة المنصورة، أن مرحلة الشباب شهدت تحولًا جذريًا خلال السنوات الأخيرة مع انتشار الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعى،  وهو ما انعكس بوضوح على شخصية المراهق وطريقة تفكيره. وأوضح أن هذه المرحلة الانتقالية بين الطفولة والرشد تختلف من بيئة إلى أخرى تبعًا لظروف النضج والتنشئة، إلا أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعى جاء سلبيًا أكثر من إيجابيًا، إلى أن أبرز هذه التأثيرات تراجع التواصل الاجتماعى الحقيقى،  إذ أصبح كثير من المراهقين يعيشون داخل عالم افتراضى يكتفون فيه بعلاقات رقمية، ما أفقدهم مهارات التفاعل الواقعى،  كما لفت إلى انتشار ظاهرة "Brain Rot" أو تعفّن الدماغ، وهو مصطلح أطلقته جامعة أكسفورد لوصف ضحالة التفكير الناتجة عن الانغماس فى المحتوى السطحى،  محذرًا الشباب من الانسياق وراء تريندات السوشيال ميديا. إلى أن التكنولوجيا، رغم ما تتيحه من فرص للانفتاح، فتحت نوافذ ثقافية لا تتناسب مع القيم العربية والدينية، ما جعل كثيرًا من المراهقين يفقدون السيطرة على سلوكهم ومشاهداتهم، وظهرت تبعًا لذلك مشكلات سلوكية وأخلاقية، مثل اضطرابات السلوك الجنسى والتشكيك فى المعتقدات، كما نبه إلى أن العزلة الرقمية حرمت الشباب من الانخراط فى أنشطة مفيدة كالتعلم، والتدريب، والرياضة.

وشدد على خطورة الاستخدام غير المراقَب للإنترنت، الذى قد يجرّ المراهقين إلى محتوى خطير أو إلى مناطق مظلمة على الشبكة مثل “الدارك ويب”، مستشهدًا بحادثة طفل الإسماعيلية، وداعيًا الأسر إلى المتابعة الواعية والحوار المستمر مع الأبناء لحمايتهم من الانحراف الرقمى ومخاطر العالم الافتراضى.

ويقول د. أحمد القاضى  استشارى الموارد البشرية: أرى أن مرحلة الشباب شهدت تحولًا جذريًا بين الماضى والحاضر؛ فبينما كان الشاب فى الماضى يعيش حياته الواقعية داخل الأسرة والمدرسة والشارع، أصبح اليوم يعيش داخل هاتفه المحمول، يقضى ساعات طويلة أمام الشاشات ويتفاعل مع أصدقاء افتراضيين، وقد تغيّر مفهوم الهوية لديه، إذ بات يسعى إلى القبول المجتمعى من خلال عدد المتابعين والإعجابات بدلًا من قيمه وسلوكياته الحقيقية، فتحوّلت مرحلة الشباب من «مرحلة بحث عن الذات» إلى «مرحلة عرض الذات» وبيّن أن الإيجابيات تكمن فى الانفتاح وسرعة التعلم؛ إذ أتاح الإنترنت للمراهق فرصًا غير محدودة للمعرفة والتطور الذاتى،  وفتح أمامه آفاقًا عالمية أوسع ووعيًا بالقضايا المختلفة، مع حرية التعبير وإبراز المواهب عبر المنصات الرقمية.

ويضيف: أما السلبيات فتتمثل فى العزلة الاجتماعية رغم كثرة التواصل الإلكترونى،  وضعف التركيز بسبب المحتوى السريع، وانخفاض الثقة بالنفس نتيجة المقارنات المستمرة بالآخرين، إلى جانب تأثير خوارزميات الذكاء الاصطناعى التى توجه فكر المراهق دون وعى منه، و وأكد أن التنمية البشرية تلعب دورًا حيويًا فى إعادة التوازن بين الإنسان والتكنولوجيا، من خلال مساعدة المراهق على اكتشاف ذاته الحقيقية بعيدًا عن الصورة الرقمية، وتنمية التفكير النقدى والذكاءين العاطفى والاجتماعى،  وتدريبه على إدارة الوقت والانفعالات، إلى جانب دعم الأسرة والتربية الواعية التى تدرك أن تمرد الشباب ليس عبثًا بل بحثًا عن ذاته؛ على أن شاب اليوم ليس أقل وعيًا من الأمس، بل يختلف عنه فى الأدوات والتحديات، مشددًا على أن مسئولية المجتمع تكمن فى تعليمه استخدام التكنولوجيا بذكاء دون أن يفقد إنسانيته، فالتكنولوجيا خُلقت لخدمة الإنسان لا للسيطرة عليه.