الإسراء والمعراج معجزة وآية من آيات الله سبحانه وتعالى .. خص بها نبيه وشفيعه المصطفى عليه الصلاة والسلام إكراما له وتثبيتا لقلبه .. ليلة شق فيها صدره الشريف وركب البراق وعرج به إلى السماء .. ولاقى الأنبياء وفرضت عليه الصلوات الخمس.
معجزة ربانية اختار الله تعالى لها رسوله الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- دون بقية الأنبياء وفيها اطلع على كثير من الأمور الغيبية مثل الجنة والنار والملائكة وغيرها.
حدثت رحلة الإسراء والمعراج في منتصف فترة الرسالة الإسلامية ما بين السنة الحادية عشر إلى السنة الثانية عشر من البعثة النبوية الشريفة، وتعد رحلة الإسراء هي الرحلة التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم على البراق مع جبريل ليلا من مكة إلى بيت المقدس في فلسطين، ثم عرج به إلى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى وعاد بعد ذلك في نفس الليلة.
أحداث عظيمة حدثت كلها في ليلة واحدة حملت الكثير من الأسرار الخفية ماجعلها ليلة من أهم الليالي عند المسلمين .. تبدأ ذكرى ليلة الإسراء والمعراج كل عام من مغرب يوم 26 من رجب وتنتهي ليلة فجر اليوم التالي.
في هذه الليلة الفضيلة .. انطلقت رحلته "صلى الله عليه وسلم" صحبة روح القدس جبريل عليه السلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فصلى إماما بالأنبياء والمرسلين، ثم عرج به إلى السماوات السبع فالتقى فيها بالأنبياء، ورأى عجائب خلق الله سبحانه ورفع إلى أعلى مقام وكلمه الله سبحانه بلا حجاب وفي هذه الرحلة فرضت الصلاة تعظيما وتقديرا لشأنها.
* القصة من كتب السيرة
تبدأ القصة بقدوم 3 من الملائكة الكرام إلى مكة بينهم جبريل وميكائيل فشقوا بطن النبي وغسلوا ما كان به من غل بماء زمزم وملؤوا قلبه إيمانا وحكمة، ثم عرضوا عليه لبنا وخمرا فاختار النبي اللبن فشربه فبشره جبريل بالفطرة.
ثم أركبه جبريل "البراق" فانطلق إلى المسجد الأقصى فصلى ثم أنزله طور سيناء حيث كلم الله موسى عليه السلام وصلى بها، ثم أنزله بيت لحم مولد عيسى عليه السلام فصلى فيها ثم دنا لبيت المقدس فأنزله باب المسجد ودخل ليلتقي أنبياء الله المبعوثين قبله فسلموا عليه وصلى بهم ركعتين.
سار جبريل بالرسول للصخرة المشرفة ثم حمله منها على جناحيه ليصعد للسماء الدنيا ثم ارتقى به للسماء الثانية ليرى زكريا وعيسى بن مريم عليهما السلام .. ثم ارتقى به جبريل للسماء الثالثة فيأذن له ليرى يوسف عليه السلام .. ثم ارتقى به جبريل للسماء الرابعة ليرى فيها إدريس ثم للخامسة وفيها هارون والسادسة وفيها موسى ثم إلى السماء السابعة وفيها إبراهيم عليهم السلام جميعا ثم انتهى به جبريل إلى سدرة المنتهى.
وقدم جبريل بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحجاب فاستلمه أحد الملائكة وتخلف عنه جبريل، وارتقى به الملك فوق السماوات العلا لمناجاة ربه وهذه مكانة لم يبلغها نبي ولا رسول ولا ملك من الملائكة، وفى هذا اللقاء فرضت الصلوات الخمس وأراه الله من آياته الكبرى فرأى الجنة وما أعده الله للمتقين ورأى النار وما أعده الله من العذاب للكفار والعاصين.
ثم عاد الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى مكة في الليلة نفسها بعد أن رأى من آيات ربه الكبرى ليواصل دعوته ونشر الإسلام.
* حديث الإسراء والمعراج
أحاديث الإسراء والمعراج كثيرة وهي أعلى درجات الصحة، ووردت بروايات متعددة في صحيحي البخاري ومسلم وكل هذه الروايات مروية عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الأحاديث التي وردت في البخاري "حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله يقول: لما كذبني قريش، قمت في الحجر، فجلا الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه.
* رحلة بالروح والجسد
جاءت رحلة الإسراء والمعراج تسرية عن الرسول بعد وفاة عمه أبو طالب وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد وبعد ما لقيه النبي- صلى الله عليه وسلم- من أهل الطائف فقد أراد الله تعالى أن يخفف عنه عناء ما لاقى وأن يسري عنه ويطمئنه.
تمت هذه الرحلة بالروح والجسد معا وتجاوزت حدود الزمان والمكان وقال ابن القيم: أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبا على البراق، بصحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إماما، وفى هذا إشارة إلى أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى خلقه وأنه خاتم الديانات السماوية.
* بين الإنكار والتصديق
ولأنها رحلة متميزة لا مثيل لها من حيث زمانها ومكانها والكيفية التي تمت بها، لذا فهي تعتبر معجزة خص الله بها نبيه الكريم شكلت اختبارا صعبا للمسلمين، فطبيعة الرحلة وما تضمنته من أمور خارقة كشفت حقيقة إيمان بعض ضعفاء النفوس.
نجح أبو بكر الصديق في هذا الاختبار نجاحا باهرا واشتق لقبه من هذه الرحلة حيث لم يتردد في تصديق الرسول الكريم قبل أن يسمع منه فاستحق بذلك لقب الصديق.
وعلقت دار الإفتاء المصرية على المشككين في رحلة الإسراء والمعراج مؤكدة إن المغالطات حول رحلة الإسراء والمعراج تدور في اتجاهين الأول: هل حدثت هذه المعجزة؟ والثاني: متى حدثت؟.
وأضافت دار الإفتاء أن الرحلة حدثت قطعا لأن القرآن الكريم أخبرنا بذلك، ولا يجوز إنكارها بحال من الأحوال فقال عزَ وجل: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"، والآية دالة على ثبوت الإسراء.
وتابعت أَما ثبوت المعراج فيدل عليه قوله تعالى "وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى" والمقصود بالرؤية في الآية الكريمة: رؤية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لجبريل في المعراج.
وأوضحت دار الإفتاء أن جمهور العلماء اتفق على أَن الإسراء حدث بالروح والجسد لأن القرآن صرح به لقوله تعالى "بِعَبْدِهِ" والعبد لا يطلق إلاا على الروح والجسد، وجمهور العلماء من المحققين على أن المعراج وقع بالجسد والروح يقظة في ليلة واحدة.
وواصلت أَما إنكار البعض لحدوث رحلة الإسراء والمعراج بسبب تعارضها مع القدرة البشرية، فالجواب أَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل إنه قام بهذه الرحلة بنفسه دون العناية الإلهية، بل الرحلة بأكملها بتوفيق الله وفضله وهو الذي أسرى بعبده، وهذا الإعجاز الحاصل في الرحلة لا يتعارض مع قدرة الله عز وجل.