رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
المشرف العام على التحرير
محمود الشاذلى
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب: التنمر والسخرية

إذا مر الإنسان على مبتلى أو صاحب عاهة, فالواجب عليه أن يرفق به ويُصَبِّره ويُواسيه, وهذا من الإيمان, أما أن يسخر منه ويحتقره ويتنمر عليه فقد سمى القرآن هذا السلوك إجراماً, فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ}[المطففين: 29 - 31], ومرة أخرى يسميه القرآن فسقاً, فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ}[الحجرات: 11], فاحذر أيها الإنسان أن تتبدل الإيمان باسم الفسوق, واسترضي من تنمرت عليه وسخرت منه, واطلب منه العفو السماح, فقد قال الله تعالى بعد هذا التحذير: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الحجرات: 11], الظالمون لأنفسهم حيث حملوا أنفسهم من الجرم والإثم  مالا تطيق, فكلمة السخرية من قسوتها تُعكر صفو البحر كله, فكيف بقلب الإنسان الضعيف ذي العاهة المسكين؛ ولهذا لما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي - صلى الله عليه وسلم -: حسبك من صفية كذا وكذا, تعني أنها قصيرة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته!", وهذا من أبلغ الزواجر عن احتقار الناس والانتقاص من شأنهم, وهذا عين الكِبر والتكبر الذي وصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "الكِبر بطرُ الحقِّ، وغَمْط الناس", أي رد الحق وانتقاص الناس, وفي جزاء الكبر والمتكبرين يقول - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
وأيضاً في عقوبة هذا السلوك اللا أخلاقي, يقول الله تعالى عن الهماز اللماز الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}[الهمزة: 1 - 9], وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}[الأحزاب: 58].
فاحذر أيها الساخر المُتَنَمِّر من أن تُبتلى بعيوب غيرك, واحمد ربك على العافية فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من رأى صاحب بلاء، فقال: الحمد لله الذي ‌عافاني ‌مما ‌ابتلاك ‌به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، عوفي من ذلك البلاء، كائنا ما كان", وهل تخلوا أنت أيها الساخر المُتَنَمِّر من العيوب والنقائص؛ ولهذا يقول لك الإمام الشافعي:
إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى ... وعقلك مَوفورٌ ‌وَعِرضُكَ صَيِّنُ
لسانك لا تذكر به عورة امريء ... فَكُلُّكَ سَوءاتٌ وَلِلناسِ أَلسُنُ
وَعَيناكَ إِن أَبدَت إِلَيكَ مَسَاوئاً… فَدَعها وَقُل يا عَينُ لِلناسِ أَعيُنُ