رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
المشرف العام على التحرير
محمود الشاذلى
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب: الطواف المعنوي

القمر يطوف حول الأرض, والأرض تطوف حول الشمس، والمجموعات الشمسية تطوف حول مركز المجرة، والمجرة تطوف حول مركز تجمع مجري، والتجمع المجري يدور حول مركز الكون الذي لا يعلمه إلا الله, والليل يطوف حول والنهار والعكس, والإلكترونات تطوف حول نواة الذرة, فالطواف سنة كونية في مخلوقات الله كلها, قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[الأنبياء: 33], ويدورون ويطوفون طوافا تلقائيا يتسق مع قوانين الكون ونظامه.
وهناك طواف المحبين والمريدين حول بيت الله الذي تهواه أفئدة الراغبين, وتقصده من كل فج عميق وجوه العاشقين, هذا البيت الذي هو قلب الكون إذا توقف الطواف حوله أو الصلاة عنده تعطلت الدنيا وقامت القيامة, قال ابن عباس: "لولم يحج الناس لأطبق الله السماء علي الأرض", وصدق الله تعالي حيث قال: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}[المائدة: 97], فلا قيام لأمر الناس إلا ببقاء هذا البيت عامرا بالحجاج والطائفين والراكعين الساجدين؛ ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار".
ولكن لماذا يطوف الحاج بالبيت سبعة أشواطٍ؟ لأن الطواف تربية عملية للحاج على أن يكون طوَّاف دائما حول ما يحبه الله ويرضاه, فإذا فعل المسلم هذا ـ حتى ولو لم يحج ـ طافت حوله الأرزاق والخيرات والبركات, ودارت حوله اللطائف والرحمات والنفحات, هذا في الدنيا, أما في الآخرة فيطوف حوله النعيم السرمدي, والسرور الأبدي, قال تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: 19، 20], وقال تعالى:{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا}[الإنسان: 15 - 17]. 
فليكن طوافنا وهدفنا هو مرضاة الله تعالى, كما كان طواف إبراهيم الخليل عليه السلام الذي لم يرزق الولد إلا على كِبَر وهو راضٍ عن الله, فيَرزقه الله تعالى الولد, ويؤمر بتركه وأُمّه في فضاء مكة وهو يقول سمعنا وأطعنا, ويؤمر بذبح ابنه فيقول سمعنا وأطعنا, ويؤمر ببناء البيت فيقول سمعنا وأطعنا, فهمه وطوافه دائما حول مرضاة الله, فمن طاف حول الرضوان طاف الرضوان حوله, قال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[البينة: 8]. 
وهناك من يطوف حول غضب الله وسخطه, فهَمُّه وطوافه حول شهواته وأهوائه, وتفكيره وانشغاله في المال الحرام أو الشهوة الحرام, طوافه حول إفساد الصِّلات وقطع العلاقات والمشي بين الناس بالنميمة, والجزاء من جنس العمل فكما كان طوافه في الدنيا على المحرمات فطوافه يوم القيامة حول أنواع العذاب في النار, قال تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 43، 44].