رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
المشرف العام على التحرير
محمود الشاذلى
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب: بطانية السعادة

البطانية لا تدفئ بذاتها, بدليل أنها لا تستطيع أن تدفئ جماداً ولاحتى نفسها؛ لأنك في الحقيقة أنتَ أيها الإنسان مَن يدفئ البطانية, والبطانية دورها منع حرارة جسمك من التسرب للخارج, وأيضاً أيها الزوج أنتَ مَن تُسعد زوجتك, وأنتِ أيتها الزوجة مَن تسعدين زوجك, والطرف الثاني دوره منع تسرب السعادة للخارج, فإذا قلت السعادة أو ضعفت فالمشكلة ليست في البطانية ولا في الطرف الثاني, المشكلة في الإنسان نفسه (زوج أو زوجة) هو مَن قلت عنده حرارة المودة والمحبة أو ضعفت؛ ولهذا ينبغي على الزوجين كثرة التفاعل والتودد بينهما؛ لإحياء كيمياء السعادة في قلوبهما, كما قال تعالى:  {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ}[البقرة: 223], فمن أَسعدَ أُسْعِد وارتدت السعادة إلى قلبه, و(اللي يقدم السبت يلاقي الحد).
ويحكي بعض الناس أنه استشار امرأته في بيع قطعة من ذَهبها الخاص بها؛ لسداد بعض دينه, بعد ما بحث عن أحد يقرضه فلم يجد, فوافقته علي هذا, ففرح لموافقتها ودعا الله لها, وقبل الذهاب للجواهرجي ذهب يستعلم عن (فيزا) المرتبات فوجد فيها أموالاً متراكمة تكفي لسداد دينه وزيادة؛ ففرح لذلك فرحاً شديداً, ثم اتصل بزوجته ليبشرها ويدخل عليها السرور, وأنه لن يحتاج لبيع شئ من الذهب, ففرحت هي أيضاً لذلك فرحاً شديداً, ودعت لزوجها بالسعة والبركة, ولما رجع لبيته وقبل أن يدخل البيت مرت عليه امرأة فقيرة فنادها وأعطها شيئاً من ماله شكرا لله على فضله وسداد دينه, ففرحت السيدة الفقيرة لمعروفه فرحاً شديداً, ودعت له بالسعة والبركة, ثم يقول الرجل وهو يقسم بالله وجدت لذة وحلاوة وفرحة في قلبي بما أعطيت هذه الفقيرة وبدعائها أعظم من فرحتي بالمال الذي جاءني؛ ولهذا كانت "أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سرورٌ تُدخلُه على إنسان" كما أخبر بذلك المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ولما شكا رجل إلى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قسوة قلبه فقال له ــ صلى الله عليه وسلم ــ: "إن أردت تليين قلبك؛ فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم", فالذي يُطعم الناس ويُسعد الناس يذيقه الله تعالى طعم السعادة في قلبه ولذة الفرح في صدره, ويذهب عنه قسوة القلب وضيق الصدر وأمراض النفس, وصدق الله تعالى حيث قال: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن: 60).
وأخيراً السعادة دائرة تبدأ من الإنسان وتنتهي إليه, وهذا القانون يسري حتى على أعداء الإنسان وخصوم الإنسان, كما قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34], وصدق الشاعر حيث قال:
ازرعْ جميلًا ولو في غيرِ مَوضعهِ *** فَلا يضيعُ جميلٌ أينما زُرِعا
إنَّ الجميلَ وإن طالَ الزمانُ بهِ *** فليسَ يَحصدُهُ إلا الذي زَرَعا