رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب: حبيبتي (2)

لماذا لم يأمر الشرع بمحبة النفس أمراً صريحاً؟ الجواب أن محبة النفس فطرة في نفوس الناس جميعاً كمحبة المال والولد لا تحتاج إلى أمر صريح أو تلميح، وهذه المحبة الفطرية جاءت مقررة ومؤكدة في الشرائع السماوية من وجوه كثيرة ذكرنا بعضها في المقال السابق ونكملها في هذا المقال، وهي كالتالي:
ـ دعانا الله تعالى للتفكر والتأمل في النفس البشرية التي هي أعظم مخلوق وأكرم موجود على الله، والتعرف على أسرار الله تعالى التي أودعها فيها، فقال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الذاريات: 21]، حتى في أدق التفاصيل كبصمة الأصابع، {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[القيامة: 4].
ـ أمرنا الله تعالى بالمسارعة إلى طلب الشفاء والعلاج إذا مرضت النفس البشرية أو تعبت، كما في الحديث: "‌تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع معه شفاء، إلا ‌الْهَرَمَ".
ـ ذمَّ الإسلام البخيل الذي يبخل على نفسه؛ لأن الله تعالي كريم يحب أن يري أثر نعمته على عباده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ يَرَى أثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ".
ـ أنكر القرآن الكريم على من يهملون أنفسهم بلا تزكية، فقال تعالى في ذم مَن ينسى نفسه ويهملها: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[البقرة: 44]، وإذا كانت محبة النفس فطرة كمحبة الولد، فلا ينبغي ترك الولد بلا تهذيب أو تربية، وكذلك لا ينبغي ترك النفس هملاً بلا تصفية أو تزكية.
ـ حذر الله تعالى الإنسان أن يطلق لنفسه العنان من دون ضابط ولا رابط، وأن يصيبه غضب الله ومقته، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}[غافر: 10]، أي تناديهم الملائكة وتقول لهم: إن بغض الله لكم أكبر من مقتكم أنتم أنفسكم، والمقت: أشد البغض، فكما أن حب النفس ـ من دون أنانية ـ هو أساس السعادة في الدنيا والآخرة فإن بغض الإنسان لنفسه وكرهه لها هو من عذاب الدنيا والآخرة؛ ولهذا دعا الله عبادة لوقاية أنفسهم من النار، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم: 6]. 

ـ دعا الله تعالى الناس للمبادرة في الرجوع إليه وتخفيف الحمل عن أنفسهم بالتوبة النصوح، فقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء: 110]، فالإصرار على الذنب ظلم للنفس وتحميل لها بما لا تطيق، وهذا عين الغبن والخسارة في الدنيا والآخرة فقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15]. 

ـ وأخيرًا، إذا أحب الإنسان نفسه فطرة وجبلة، فينبغي أن يكون حب خالق هذه النفس تبارك وتعالى أحب إلى الإنسان من نفسه التي بين جنبيه، كجحل المؤمنين الذين مدحهم القرآن الكريم، فقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}[البقرة: 165]، أعد الله تعالى في جنته، ودار مقامته للنفوس الطيبة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فقال تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}[فصلت: 31، 32].