إن لم يتخذ الإنسان يتيما يقربه من الجنة، فلا يتخذ يتيماً يقربه من النار، فظلم اليتيم وكسرة قلبه ليست كظلم أي إنسان آخر؛ لأنه وجع على وجع يُتمه وألم على ألم حِرمانه، فكان في ظلمه والتعدي عليه التعاسة والشقاء والهم والحزن والغم وضيق الصدر في الدنيا والآخرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أحرج حق الضعيفين: "اليتيم والمرأة"، والمعنى ألحق الحرج والإثم بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا، وأزجر عنه زجرا أكيداً.
والإضرار باليتيم قد يكون في نفسه أو عرضه أو ماله، أو فيها جميعاً، ففي باب الأموال: يحذر الله تعالى تحذيراً شديداً من أكل مال اليتامى بالباطل: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10] ، فيصوِّر القرآن الكريم مشهد النار وهى تتأجج في بطون هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا؛ ولهذا بعدما نزلت هذه الآية مباشرة بادر مَن كان عنده مالٌ ليتيم يعزل طعامه وشرابه عن طعام وشراب اليتيم، حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك سلباً على نفسية اليتامى وشعورهم، وشكو عُزلتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}[البقرة: 220]، فخالطوا طعامهم بطعامكم وشرابهم بشرابكم بالمعروف، لتربية اليتيم في جوي أسري مليء بالمحبة والمودة، وتنمية ماله واستثماره، فتنمية ماله حسنة لا يكافئ عليها أحد إلا الله، وتضييع ماله سيئة لا يعاقب عليها إلا الله، وهي من السبع المهلكات قال صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، ...".
وفي إهمال اليتيم وعدم الاعتناء به ذل ومهانة، كما قال الله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الفجر: 15 - 18]، فالمهانة ليست في قلة المال ولا ضيق الرزق، المهانة الحقيقية في ترك وإهمال اليتيم، فكيف بمن يعتدي على يتيم أو يؤذيه؛ ولهذا جاء النهي الصريح عن الإضرار باليتيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}[الضحى: 6 - 9]، فقهر اليتيم مرفوض قطعا ولو كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بغيره؛ لأن في قهره شؤم عظيم لظالمه، وبلاء كبير لقاهره من الهم والغم والحزن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله.
وإهمال اليتيم وقهره وزجرة من الموبقات ومن المهلكات، قال تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}[النساء: 2]، أي إثما عظيما؛ لأن في ذلك استغلال لضعفه وعجزه وجهله وانعدام لمراقبة الله تعالى الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، أما الإحسان إلى اليتيم فهو بهذه المنزلة العالية في كل الأديان؛ لأنه لا يحسن إلى ليتيم إلا الصادق المخلص لله تعالى؛ لأن اليتيم لا يشعر بمن يُحسن إليه؛ وبالتالي لن يرد الجميل الى المحسنين، فكان جزاؤهم وثوابهم خالص عند ربهم.