لم يتصور عاقلًا يومًا ما أن تتحول منصات التخرج الجامعي إلى مسارح لرقص الخريجات والخرجين على أنغام الموسيقى الصاخبة، وأن تصبح حفلات تملؤها المنكرات الدينية والأخلاقية وأن يتبدل الأمر من الفرحة بانجاز إنتهاء المرحلة التعليمية والبدء في الحياة العملية لرقص صاخب وأغاني ماجنة مبتذلة بحجة الفرح بالتخرج والحصول علي الشهادة العليا التي من المفروض أن نكون بها قد نضج تفكيرنا وأستعددنا لبدء الحياة العملية لا الحياة المبتذلة الرخيصة المملوءة بمنكرات أخلاقية ودينية وأسرية وبحجة دعونا نحتفل و(خلي العيال تفرح) فنجعل مكافأة الحصول علي المؤهل الإنفلات والإخلال بالمثل والمبادئ والآداب العامة في جو لا أخلاقي رقصًا وصخبًا وإختلاطًا غير مبرر.
وعلي الرغم من أن النجاح نعمة من الله والفرح بالنجاح والسعي إلى دوامه يستوجب شكر الإله المُنعم الذي أنعم علينا بالنجاح، وشكر النعمة سببًا في زيادة محبة الرب لعبده، لا أن يكون الفرح سبيلًا لغضبه فلا تعارض أبدًا بين الفرح بالنجاح وبين المحافظة على الحياء والأخلاق، فمن المُحزن أن نرى قاعات التدريس وأماكن العلم والوقار صارت مسرحًا للخريجات المتراقصات والخرجين المتراقصين وفي حضور العلماء ورؤساء الجامعات وكأن ذلك إقرار واستسلام لحالة الانهيار الأخلاقي والردة الأخلاقية التي طالما حذرنا ونحذر منها، عزيزي القارئ أخي ولي الأمر لا ولن يعلو شأن أمة إن كان الإحتفال بالحصول علي بعض العلم هو نفسه السبيل لانحطاط الأخلاق وضياع الحياء وذهاب معالم التربية فالتربية دائما قبل التعليم والفرح بالأخلاق القويمة أولى من الفرح بالشهادات الرفيعة وما نراه الآن في حفلات التخرج من وصلات الرقص والخلاعة تحت مسميات الفرح بالنجاح أمر مخالف لتعاليم الدين ومنافٍ لأصول التربية وقيم المجتمعات الإسلامية والعربية، وهل هذا هو شكر الله علي النجاح والتوفيق؟!
حفلات التخرج من المفترض أن تكون احتفالًا من المتخرج بأنه حصل على شهادة عالية في تخصص ما وتدل أيضًا على اتساع خبرة المتخرج بكثرة جلوسه بين يدي الأساتذة واتساع احتكاكه بالطلاب من مختلف البلاد بمختلف العادات والثقافات والطباع واللكنات وإعلان عن دخول الخريج الشاب في زمرة الرجال العقلاء والنساء في زمرة العاقلات وذهاب فترة المراهقة ودخول سن الرشد فوق العشرين من العمر ولكن ما بدأ يظهر أخيرًا ويملأ وسائل التواصل الاجتماعي يدل على عكس ذلك تماما ويُظهر ضد كل ذلك، فنجد رقص وغناء ولباس خارج عن حدود الاحتشام وأشياء لا تقبلها الفطر السوية ولا العقول الطبيعية، ولا تدل إلا على قلة الدين وضعف وازعه في قلوب هؤلاء الذين يبدؤون حياتهم العملية بالمعاصي وعلى موت الحياء وانتحار الخجل خاصة في البنات والاستهتار بالمؤسسات العلمية وذهاب هيبة المعلم والاستهانة به ايضًا والبيئة غير السوية والمتفلتة التي خرج منها الطالب والطالبة وبكل أسف قد يكون الأهل حاضرين بل ويقبلون بـ التهتك والخلاعة والصفاقة والمجون والوقاحة، في مظاهر ما هي إلا إسفاف وابتذال ولا تمت إطلاقُا إلى التعليم ولا إلى التربية وأتعجب كيف تسمح إدارة الجامعات والكليات بمثل هذه المهازل بأن تخرج طالبة تتراقص أمام زميلاتها وزملائها وأمام أساتذتها على منصة دائما ما تربينا أنها منصة مقدسة بل ومنصة لها حرمة حتي اننا نسميه الحرم الجامعي إلى غير ذلك من المصطلحات الضخمة التي للأسف الشديد قد فُرغت من معانيها بعدما أصابت الجامعات تلك الردة الخلاقية وطالها هذا التدني الأخلاقي الذي لو تُرك سيدمر كل ما في وجهه دون رحمة.
حفل التخرج ليس مجرد ذكرى احتفل به كيف أشاء وأتعدى ما شئت من حدود الله والمجتمع الذي أنتمي إليه وعلي المسؤولين وعلي رأسهم رؤساء الجامعات وعمداء الكليات أن يتحملوا المسؤولية ويصدرون قرارات أعتقد انها ستُسطر في تاريخهم المهني والأخلاقي بتنقية حفلات التخرج من المهازل الأخلاقية التي تسيء إلى التعليم الجامعي وصورته ولا اعتقد أنه من الصعب على المؤسسات الجامعية ورؤساء الجامعات اتخاذ القرار كما يحدث في جامعة الأزهر التي ستظل المرجعية والمرجع في زمن الانفلات الأخلاقي والتدني الثقافي، وعلي المسؤولين أن يسرعوا وأن ينظرون إلي الأمر بعين الاعتبار والحزم وألا يسمحوا بتكرار مثل هذه الظواهر وإلا فاليوم طالبة سترقص على أغاني نوبية وبعدها طالبة ترقص على أغاني صعيدية وثالثة سترقص على المهرجانات الإسكندرانية وأخري علي مهرجانات شعبية وهذه ترتدي فستانًا قصيرًا والأخرى ترتدي آخر عاريًا ويتحول التعليم إلى مرقص تتباهى فيه الفتيات بإظهار مواهبهن في التعري والرقص وهو أمر لا يليق أبدًا لا بمكان التعليم ولا باحترام وتوقير العلماء ولا بالحياء والخجل الذي ينبغي أن يكون من المرأة تجاه الأغراب عنها، فضلًا عن كونه سلوك مُحرّم ولا يجوز للمرأة أو الفتاة أن تتراقص أمام الأجانب أو أمام الرجال بهذه الطرق التي شاهدناها مؤخرًا.
ودعوني أهمس في أذن أولياء الأمور ألا تري أن تمايل ابنتك في حفلات التخرّج أو غير ذلك يعبّر عن نقصٍ في تربيتك ونقص في غيرتك وبالتالي نقص في تدينك وقيمك ورجولتك؟، أم أنك في حاجة شديدة لضبط إعدادات الغيرة والرجولة مرة أخرى لأنك الآن لا تغير على عرضك ولا شرفك وأعتقد أن العاقل يربأ بنفسه أن يكون هذا هو وصفه الحقيقي لأنك تفتح الباب لمزيد من التمايل والخنوع والخضوع لرعيتك وغدًا لن تستطع منع تفاقمه وزيادته ومن ترك ابنته اليوم تتمايل أمام الرجال فغدًا قد يرى ما هو أكثر من ذلك -والعياذ بالله- ألا تري انه ميل عن الحق ولو بدعوى الفرح والفرفشة أو بالتهوين من هذه الأفعال بنظام "سيبوا العيال تفرح"، ودعوني أذكركم أن بنات الناس المحترمات لا يمكن أبدًا أن يرقصن أو يتمايلن أمام الرجال ولا الكاميرات وإلا فهناك خلل يجب علاجه علي الفور فهذا هو المجتمع المصري الذي نشأنا وتربينا علي قِيمه من قيم دينية وأعراف اجتماعية لا تقبل بأن تتحول حفلات التخرج لحفلات رقص صاخبة يختلط فيها الشباب من الجنسين وما قد يحدث في حالات الاختلاط على أنغام الموسيقى والكلمات الرومانسية التي لا تمت بصلة لحفلات التخرج، وعلينا وفورًا أن نمنع مثل تلك الأفعال السيئة التي تشوه منظومة التربية داخل المؤسسة التعليمية كما أنه يجب على الآباء والأمهات زجر بناتهم وأبنائهم عن تلك الأفعال القبيحة التي تناقض الحياء وتنبئ عن ضياع مجهودات تربية السنين.
نعم على الجامعات أن تنظّم حفل تخرج سنويًا لكل خريجيها ولكن علي أن يكون حفل معلوم التوقيت والضوابط من حيث الإجراءات والملابس والمسموح والممنوع ويجب أن تعلم الجامعات أن عدم تنظيم هذه الحفلات الرسمية يعطي الطلاب الحق ويغريهم بتنظيم حفل مستقل يتحول أو تحول بالفعل إلى ما نشاهده وننتقده الآن وبالتالي سيتطور إلى ما هو أسوأ، ولا يُعقل ولا يصح أن تنظم الحضانات وروضات الأطفال حفلات تخرج لـ "كي جي تو" وتُهمل الجامعات تنظيم حفل تخرج يليق بها، حفلات التخرج تقليد غربي نستورده من الغرب ينظمون حفلات منظمة منضبطة دون رقص أو هرج ومرج ويفرح الطلاب وأهلهم أشد الفرح في حفلات تخرج دون وصلات رقص.