نشعر حال خروجنا للشارع والسير فيه سواء علي الأقدام أو بأي وسيلة مواصلات خلال السنوات القليلة الماضية، أن المجتمع المصري بمرحلة يمكننا أن نطلق عليها مرحلة الاضطراب الوجداني والانفصام في الشخصية، ودليل على ذلك ما نراه يوميًا من ىسلوكيات خاصة المروروية، والتي تُشعرك أن سلوك المصريين أصبح أسوأ سلوك بشري على مستوى سكان المجموعة الشمسية، فالمراقب للشارع يجد أن جميع قائدي المركبات بجميع أنواعها وكل ما يمشي على عجلات يرتكب نفس الأخطاء، خاصة عندما يتعلق الأمر بمافيا "الميكروباص" وطاعون العصر "التوك توك"، إلي جانب الدرجات البخارية الصينية الغير مُرخصة، التي تجتاح الشوارع تساهم في كل أنوع الجرائم، مشاحنات وتشنجات ومضايقات مؤكدًا المرض النفسي الذي أصابنا جميعًا جراء السير في الضوضاء السمعية والصوتية والأخلاقية المتواجدة في شوارعنا، ناهيك عن تدني مستوي نظافة الشوارع وما يسببه المصريون من تلوث لا يمكن احتماله، تري وكأن الشارع المصري قد أصبح بدون صاحب أو أب شرعي يحميه، أمور تُصيب بالحزن بل بالإكتئاب، وعلينا السعي لحلها وإلا ستتحول حياتنا إلى جحيم يختلط فيه المر بالعلقم فيكون أحلاهما حنظلا، هذا جرس إنذار لمن يدرك ويعي ويحب مصر.
من يُنكر أن شورعنا بها سيارات خاصة بلا لوحات، وأخري وقد سيطر عليها السواد من كل إتجاه دون أي وجه حق، وسيارات معاقين يقودها أصحاب نفوذ ولا يستطيع أحد توقيفهم أو سؤالهم، سباقات في شوارع تتحمل سيارة بالكاد، أصوات أجهزة الصوت تخترق أي وكل هدوء وفي أي وكل مكان، دون مراعاة لأبسط أنواع إحترام الآخرين، جنبًا إلي جنب مع تلك المركبات عوامل تجمعت علي تدمير آداب وسلوكيات وخصائل المجتمع المصري، وسحقت كل ما كنا نتباهي انه لدينا من آداب وسلوكيات مصرية نصدرها للجميع، فقد إجتمع هؤلاء من مفسدي السلوك المصري علي عدم إلتزامهم بأى قواعد للمرور، ويمشون عكس الاتجاه، بل ويتحرشون بأى مشاة ينتقدون سلوكياتهم، ويستخدمون أعمال البلطجة والعنف والتحرش والسرقة، فـ"التكاتك" و"الموتوسكلات" الصيني أصبحت بؤر إجرامية متنقلة" تستخدم في عدد كبير من جرائم الخطف والسرقة، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات، كم كبير ومزعج ومقلق الإسفاف فى كل شيء سرعة مبالغ فيها أصوات عالية صاخبة مزعجة بل ويستخدمون سرينة الاسعاف والنجدة والمطافيء دون وعي ولا يحترمونها إن أتت من أصحابها ممن لهم الحق في توقيف الشارع للمرور بل ويعارضون الإسعاف والمطافيء ويسيرون أمامهما غير عابئين بحياة المريض داخل سيارة إسعاف او تعطيل سيارة إطفاء عن عملها الذي ربما ينتج عنه تعطيها كارثة، مكبرات صوت وأجهزة تُحدث ضجيج وصخب وأغاني مبتذلة هابطة بها سباب وشتائم وإيحاءات صريحة، وكأن الشارع تحول لمكان لحفلة لعبدة الشيطان، بل وتدهشك كم "السفالة" التى يمكن أن يتحدث بها إن عارضتهم أو نصحتهم لله، ولا أصدق أن هذه الألفاظ القبيحة والنابية، يمكن أن يتلفظ بها سائقي هذه المركبات حتي في حضور فتاة أو سيدة محترمة،وتحول سلوك المواطن المصرى إلي زحام وفوضى، وعدم التزام بالقانون أو تطبيقه، يرون انهم الأصح وأنهم أحرار وأنها حريتهم المُطلقة متناسيين أن حريتهم تنتهي عند بجاية حرية الآخرين، يشعرونك بأنهم فعلًا أمنوا العقاب فأسأوا الأدب، وعلينا علاجهم من هذا قبل فوات الآوان.
ولعل ضعف مستوى التكوين والتربية على مستوى المدرسة والمؤسسات التربوية، وتعقد الحياة الاجتماعية والاقتصادية، في ظل الانفجار المعرفي والتكنولوجي الذي يشهده عالمنا المعاصر وتأثيره في القيم الاجتماعية والثقافية والاتجاهات الفكرية والسياسية للأفراد والمجتمعات، جعلت من شبابنا يعيش صراعات متعددة الأبعاد، بين القديم والجديد، والتقليدي والحديث، وبين الوافد والمحلي، إلى جانب صراع الأجيال، والصراعات الداخلية بين الصورة الواقعية التي يكوّنها حول ذاته كما هي في الواقع، وبين الصورة النموذجية التي يتمناها لنفسه، وبين الصورة التي يعتقد أن المجتمع ينظر إليه بها، ومحاولات تكوين ذات مستقلة ومتميزة واحتلال مكانة ولعب أدوار مهمة ولافتة في مجتمعاتهم، كل هذا جلعني أنظر إليهم كضحية وليسوا جناه، أراهم يتبنون حلولا ويستعملون استراتيجيات يعتقد أنها مناسبة لمواجهة مشكلاته، كالتمرد وعدم الرضا والنقد إلى جانب الانحراف عن قيم وعادات المجتمع، للتنفيس عن طاقاتهم أو كبتهم أو إظهار رجولتهم ووجودهم كمباهاة اجتماعية، أنهم لا يهلبون أحد وأن قانونهم هو الحرية المُطلقة ولا لأحد سلطان عليهم، لعلهم لو رجعوا للدين لوجدوا الرسول الكريم، قد أخبرنا بحق الطريق حين قال: (إياكم والجلوس على الطرقات)، فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال:(فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها)، قالوا: وما حق الطريق؟ قال:(غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر).
وعلينا جميعًا وفورًا أن نُجبر المؤسسات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، علي تحمل مسؤولياتها وفتح آليات اتصال وقنوات للحوار معهم، مع ما توفره من فرص للعمل والمشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية لإشباع حاجاتهم للانتماء، ولعب الأدوار، أيضاً هناك الأسرة التي تقع عليها مسؤولية متابعة أبنائها وتوجيههم، والتكفل بحاجاتهم الأساسية البيولوجية والنفسية والاجتماعية، إلى جانب ما تنميه من تعميق الاتجاه الديمقراطي في الحوار معهم، وبناء شخصيتهم المستقلة. إضافة إلى دور المؤسسات التعليمية من خلال ما تنميه من قيم ومبادئ وقدرات واتجاهات للفرد نحو نفسه أيضًا، ونحو كل شيء يحيط به، وما يوفره من فرص للتفتح، ويبقي الدور الأخطر لوسائل الإعلام المختلفة وما تتناوله من موضوعات وقضايا تهم الشباب. وبلا شك فإن الردع الاجتماعي والأمني مطلوب في التقليل من هذه الظواهر السلبية، التي تحتاج أحياناً إلى سن تشريعات وتغرم أولياء أمور المتورطين كأسلوب الردع الاجتماعي من خلال الاعتذار للمجتمع، والعقوبات المجتمعية التي تؤدي إلى تحقيق الهدف الأساسي منها، وهو إصلاح الشباب، وإشعارهم بذنب ما اقترفوه من ممارسات خاطئة أضرت بهم وبأسرهم وبجتمعهم وعرضتهم لعقوبات رادعة.
ومن المتعارف عليه والمتفق عليه لدى جميع الشعوب الواعية ان نعمتان مجحودتان الصحة في الابدان والامن في الاوطان، كما علمنا رسول الله، وهذا ما نادى به ديننا العظيم، والحرية هي حق الانسان في الاختيار فهي منحة إلهية وفطرة من الله عز وجل، وتعني الحرية الشخصية او الفردية وهذ ا ليس قيد من قيود الحرية بل هو ضابط يعني انك حر ولكن بما يعنيك انت، ولا يمكنك التعدي على حرية الاخرين لا بأفكارهم ولا بأرايهم ومن الضروري احترام الفكر والرأي والرأي الاخر، ولو التزم اي شخص لن تجد من احد يعتدي على الثاني بأسم الحرية فممارسة الحرية حق مشروع بحيث لا تتعارض مع القانون اولا يتعدى على حقوق الأخرين او تؤذيهم، فببساطة صياغة الحرية بشكل ايجابي فحريتي مرتبطة بحرية الاخرين وتنتهي عندما تشك بأنها تلحق الضرر بهم، فيجب أن تكبح هذه الحرية بغطاء الحياء، ليس في كل الاوقات وليس في كل الظروف تصح الحرية وخاصة للذين لا يفهمون معناها ومن لا يفهمها يضر الاخرين اما من يفهمها فهو يعرف ان لها حدود لا تؤثر على مصلحة المجتمع، فعلى الفرد الذي لا يفهم معنى الحرية ان يتصالح مع ذاته ويبتعد عن ازدواجية المعايير النابعة من عدم الرضا عن الذات ويحترم المجتمع الذي يعيش فيه ويحافظ على امن وطنه ومقدراته ويحس بالمسؤولية الغيورة على المصلحة العامة، فالحرية الشخصية مملوكة لك ولكن بمفهومها السليم والحقيقي ولذلك علينا جميعًا أن نتصدي بكل قوة لمن لم يفهمون المعني الحقيقي للحرية، وعلينا دائمًا أن نخبرهم وننبههم وأهليهم وذويهم أنهم يسيؤن لأنفسهم وأهليهم ولمجتمعهم لفهمهم الغير صحيح أنهم أحرار في صنع أي وكل شيء، فقط نحتاج إلي "نقطة نظام" ننظم بها مجتمعاتنا ووشبابنا حتي يعود الشارع المصري الذي يمثل مصرنا الغالية لما نتمناه مطلوب النصصح والأرشاد والمساعدة والأخذ بالأيدي والعقاب حتي نصل لـ"نقطة نظام"
ON THIS DAY