كالعادة بين فترة وأخري تطل علينا حادثة جديدة للمنتمين للقطاع الطبي ممن بكل أسف يحملون لقب طبيب وهم أبعد ما يكونون من ان ينتمون لهذا المكان الهام في كل المجتمعات، فطالما ساندنا ووقفنا مساندين الاطباء خاصة عند الجوائح التي تجتاح المجتمعات، وطالبنا بتعديل وتوفيق أوضاعهم ومساندتهم لان الله جعلهم خط الدفاع الاول عنا امام الامراض، إلا انه هناك تصرفات فردية صادرة من بعضهم تجعلنا دائمًا أمام واقع صادم هو السائد في أغلب الاوقات ومعظم المدن والذي يمكننا ان نسميه فوضي العلاج الخاص المتفاوت الاسعار والخدمات والطرق في التعامل، حتي طلت برأسها مؤخرًا واقعة طلب طبيب من مساعده الممرض السجود -والعياذ بالله- لكلبه، في واقعة تجسد حال الغرور والتعالي وإنعدام الأخلاق والدين الذي وصل إليه بعض المنتمين لهذه الفئة والذين يجب أن يُجتثوا من بين الاطباء أصحاب أحد أنبل المهن التي عرفتها البشرية.
وانا لست بصدد الحديث عن هذا الامر فجهات التحقيق والنقابات المعنية قد بدأت بالفعل العمل علي إنهاء هذه الواقعة، بل وكالعادة جعلت السوشيال ميديا بكل انواعها هذا الطبيب تريند تهافت الجميع علي الحديث معه ودعونا ننتظر ما تؤول إليه التحقيقات، وحديثي اليوم عن نوع آخر من الفوضي في هذا القطاع الحيوي والهام، فمنذ ما يقرب من ثلاث شهور نجحت إحدي السيدات في الحصول علي حجز لدي إحدي اشهر طبيبات الروماتيزم بمحافظة الغربية وكان الحجز بعدها بثلاث شهور بالتمام والكمال، وتحملت السيدة آلامها طول هذه الفترة علي أمل الذهاب للطبيبة التي ذاع صيتها، وبالفعل ذهبت السيدة في الموعد حاملة آمال الحصول علي علاج يكون سببًا في شفائها وإنتظرت في العيادة الخاصة بالطبيبة المشهورة بمدينة طنطا وطال الإنتظار لتخبرها مديرة العيادة بعد إنتظار طال ٤ ساعات أن الطبيبة لن تحضر في هذا اليوم وانها والموجودين بالعيادة من مرضي عليهم الإنتظار والحضور مرة أخري لتحديد موعد جديد لان كل الايام مشغولة وعليهم الانتظار من جديد.
ووسط سخط الحضور ارتفع صوت احد المرضي وأحد المرافقين ووصل الامر لتراشق الالفاظ والتعدي والاشتباك بالايدي لينتهي الامر برفض حتي مجرد الحجز لكل الحضور تأديبًا لهم، في حين ان من تحتاج التأديب وتعلم اصول معاملة الناس هي الطبيبة نفسها وطاقم العيادة الخاصة بها، وانتهي الامر الي هذا الحد وظن الجميع ان هذا يرجع لان صاحبة العيادة هي الاشهر في مدينة طنطا، ووسط الفلاحين وان يتكرر هذا الامر أبدًا لو كان بأحد عيادات القاهرة او الاماكن الاكثر رقيًا معللين ذلك ان المجتمع الأرقي سيحترم الناس وأوقاتهم وظروفهم، ولكني وفي مطلع الاسبوع الجاري فوجئت بإتصال من زميل يُقيم بأحد الاحياء الراقية الحديثة بالقاهرة الكبري يحكي لي واقعة مماثلة لطبيب متخصص في امراض الجهاز الهضمي، ويحكي لي انه حجز الموعد منذ ستة شهور كاملة وبقيمة كشف إقتربت من راتب شهري لموظف حكومي حيث بلغت ٣ الف جنيه، إلا انه وبعد حضوره ومعه زوجته لعيادة الطبيب الشهير وإنتظاره اعتذر مدير العيادة لان الطبيب مشغول في تصوير حلقة دعائية في إحدي القنوات الفضائية، وعليه عليهم ان ينتظرون من جديد حتي يُحدد لهم موعد جديد، فليموت من يموت وليحيا من يحيا ولكن يبقي المال والشهرة هم الاهم، لتثبت لي الواقعتين ان الامر لا يتعلق بمدن كبيرة ومدن صغيرة ولا حضر وريف الامر مُتعلق فقط بضمير الطبيب وهل مازال لديه ضمير إنساني أم اصابه عمي القلب وموت الضمير وأصبح يبحث فقط عن الشهرة والمال.
نُصاب بالإحباط عندما نجد الطبيب قد تحول من حكيم -كما كان يُنعت فى الماضى- أرسله الله لمساعدة الناس، إلى تاجر يشترى ساعات إعلانية مدفوعة الأجر يُسوق فيها لنفسه ولطرق العلاج التى يدعى معرفتها ويستخدمها فى اجتذاب أكبر قدر ممكن من الأموال من جيوب زبائنه والذين يكونون بكل أسف هم المرضي، ممارسات طبية يصادفها الإنسان من خلال التجربة الشخصية أو يسمع عنها من خلال آخرين تُشعرك أنها أصبحت تتخذ شكل التشكيلات العصابية التى يتقاسم أعضاؤها المهام والأرباح التى يتم اقتطاعها من لحم الحي، ويتفنن هؤلاء المنتمين لهذة المهنة السامية في شق جيوب الناس ليس بالشكل المباشر فقط ولكن بإرسالهم لمعامل تحاليل ومراكز اشعة ومراكز علاج وأحيانًا مستشفيات خاصة لا لشيءإلا من اجل العمولة المزعومة يستبيحون كل شيء من اجل الحصول علي أموال ومهما كانت الطرق المهم المال والشهرة.
قبل عدة شهور كتبت هنا في هذه النافذة "قلم حر" عبر جريدتكم "الرأي العام" بعنوان "أطباء إستأصلوا ضمائرهم فأساؤا للمهنة"، وأشرت وقتها إلي ان هناك من إمتهنوا مهنة الطب قاصدين العمولات والبزنس المشبوه ليعملوا تجارًا بالأوجاع وليسوا اطباء، ومن جديد نطالب بتفعيل دور إدارة العلاج الحر فى وزارة الصحة وفي مديريات الصحة بالمحافظات، مع منحها كافة الإمكانات والصلاحيات حتي تستطيع مراقبة هذا السوق الضخم من المستشفيات الخاصة والمراكز والعيادات والتى تحقق أرباحًا بالمليارات، لأنهم فى سوق ضخمة قوامها ملايين المواطنين الغلابة، لابد من تفعيل دور مؤسسات الدولة المختلفة فى ضبط هذا السوق وفى تقديم خدمة صحية بسعر التكلفة وليس بأسعار لصوصية كتلك التي تفرضها المستشفيات ومن أسموا انفسهم أطباء الفئة الاولي، وإن كنت لا أنكر سعي الدولة في الجمهورية الجديدة، وما تسعي اليه لعودة دورها فى تقديم الرعاية الصحية، ولكننى أسأل عن سوق العلاج الخاص، وأتعجب من المتاجرة بأناس ليسوا أغنياء ولا من أصحاب الملايين هم فقط يحاولون البحث عن خدمة أفضل لذويهم أو لأنفسهم.
على مؤسسات الدولة أن تتدخل سريعًا لإصلاح مجال العلاج الخاص فى مصر وضبطه، والعودة به إلي المسار الطبيعي والحقيقي والصحيح له، والتصدي بكل قوة للنشاط الذي أصبح يُشبه انشطة المافيا إلى نشاط يمارسه أطباء أصحاب رسالة، وأسأل وزارة الصحة والجهات الرقابية ألا يوجد ضوابط لهذا السوق؟ وأين دور المؤسسات من الطبيب الذى يتقاضى راتب شهر لموضف او عامل فى الكشف الواحد فى عيادته الخاصة أليس هذا ابشع وأسوأ إستغلال؟ أليس هذا تحويلًا للطب من رسالة سامية إلى سلعة رخيصة؟، هؤلاء هم من استغلوا اسمي المهم لأحط الغايات .. والإسم طبيب