عايشت في مسيرة حياتى الصحفية والبرلمانية وقائع كثيرة كنت فيها شاهد عيان وراصدا بدقه لمجرياتها وتحولاتها ونتائجها ، بل إننى كنت فى بعضها فاعل رئيسى نظرا لأنه فى سابقة برلمانية أننى كنت نائبا بالبرلمان ، ومحررا برلمانيا في نفس الوقت بحكم طبيعة تخصصى الصحفى ، تعاظم ذلك أنها ترجع لأربعين عاما مضت وبالتحديد بداية من عام 84 بداية إلتحاقى بعملى الصحفى ، مايقرب من ربع قرن منها كنت محررا برلمانيا بالبرلمان ، و في الألفينات كنت نائبا بالرلمان جنبا إلى جنب محررا برلمانيا ، وذلك عندما كان النائب يأتي بإراده شعبيه منزهة من أي هوى ، من أجل ذلك أجد من الأهميه طرح تلك الوقائع التي رصدتها عن قرب وكنت فيها فاعلا ، وليس ناقلا عن أحد ، لعلها توقظ المغيبين الذين يظنون أن الدنيا دانت لهم لمجرد أنهم يتصدرون المشهد ، ويتخذون القرارات ، ويسيطرون على أجواء السياسه يرسمون معالمها ، ويحددون أهدافها ، ويتصرفون على أنهم مخلدون إلى أبد الآبدين . يقينا إنها الغفله وزهوة المنصب ، وخيلاء المكانه السياسيه ، والحزبيه ، والمجتمعيه ، وأحمد الله أن من سأتناولهم اليوم معظمهم أحياءا يرزقون .
الصديق والغالى والمحترم الدكتور عاطف عبيد رئيس وزراء مصر عرفته منذ سنين طوال ، وكان صديقا لشقيقى الأصغر فتوح الشاذلى مدير تحرير الوفد ومدير مكتب الجريده بالسعوديه منذ أن كان محررا لشئون وزارة قطاع الأعمال العام وكان وزيرا لها ، وشئون مجلس الوزراء وكان رئيسا للوزراء ، وكان بداخله قدرا كبيرا من الإنسانيه ، ودودا كريما تشرفت بزيارته للفيلا ببلدتى بسيون في واجب إجتماعى ، وتحمله ثورتى تحت قبة البرلمان بسبب التأخر فى مشروع الصرف الصحى ببلدتى بسيون ووعد بإنهاء المشروع وأوفى ، ولن أنسى يوم قابلنا بود كبير أنا وصديقى العزيز وبلدياتى معالى المستشار الجليل محمد المنسى متعه الله بالصحه والعافيه حيث كان برفقتى أثناء زيارة قمنا بها له ، وكذلك حرصه على إستقبالنا بمستشفى الدكتور إبراهيم بدران بالمهندسين حيث رتب أمر دخول والدتى رحمها الله للمستشفى بنفسه . كثيرا ماصنع الخير فساعد في إنقاذ حياة مريض وإنصاف مظلوم ، ويوما بكى تأثرا بحالة طفل جميل إبتلاه الله بالسرطان وأنا أستنجد به ليساعدنى في دخوله مستشفى 57 ، له صنائع في الخير لاأذكرها حتى ينال الأجر والثواب كاملا من رب العالمين ، أدعو الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته .
الوزير كمال الشاذلى كان أحد أبرز أهم الساسه الذين لعبوا دورا برلمانيا وحزبيا كبيرا سنين طوال حتى بات يحفظ إسمه حتى الأطفال من كثرة مايذكره أهلهم ، وكان له شخطه شهيره فى النواب بالبرلمان عايشتها بنفسى عندما كنت عضوا بالبرلمان عن المعارضه الوطنيه الشريفه والنظيفه حيث الوفد في زمن الشموخ ، والواقعه الشهيره التى كان يخبط على يد كل نائب كان يحاول مصافحة مبارك عندما إلتقاهم رآها كل المصريين ، بل إن كثر من النواب والساسه ومعظمهم أحياء كانوا يوسطوننى لديه بحكم القرابه رغم أننى وفدى ليرضى عنهم لأنه كان أقوى الأبواب لإستمرار النواب تحت القبه ، أو دخولهم من الأساس ، وإلا في لحظه يجدوا أنفسهم في طى النسيان ، وبينى وبينه واقعه شهيره تحت القبه لامجال لذكرها رصدها من شرفة الصحافه بقاعة البرلمان وتناولها بجريدة الأخبار الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ رفعت رشاد إبان كان محررا برلمانيا ، بعد كل ذلك لم يتمكن إبنه الحبيب معتز من العوده للبرلمان نائبا حيث إستبعده من كانوا ينتابهم الرعب عند ذكر إسم الوزير كمال الشاذلى ، أليس فى ذلك عبره وعظه ، ومن عايش كمال الشاذلى لايمكن أن يتخيل أن يحدث ذلك لإبنه .
الكاتب الصحفى الكبير إبراهيم نافع نقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الأهرام ، إقتربت منه كثيرا ، وعايشت مواقفه ، وإتصالاته بكبار المسئولين ، وكيف كان يطلب الجميع وده على كافة المستويات ، وكان طلبه عند أى مسئول بمثابة أمر ، وكان حوله صولجان ، ومريدين ، وتلاميذ ، ثم فجأه سافر للعلاج وإستقر به المقام بالخارج ، وقبل وفاته في الساعات الأولي من الأول من يناير عام 2018 بأيام أراد نافع العوده لمصر التى رحل عنها عام 2012 وخاطبت زوجته المسئولون للسماح له بالعودة إلى مصر على أن يحاكم من منزله وألا يوضع بالسجون ، حيث كان يخضع للمحاكمة أمام محكمة جنايات القاهرة المنعقدة بعابدين ، مع 3 آخرين من الرؤساء السابقين لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام ، في قضية إتهامهم بإرتكاب وقائع تمثل إضرارا بأموال المؤسسة ، لكنه عاد ليس للمحاكمه إنما للقبر ليلقى رب بلا مذله في الدنيا في آخر أيامه أوإنكسار رحمه الله تعالى .
عندما رأيت المستشار أحمد سعدالدين عبدالرحيم وكيل أول مجلس النواب يجلس على كرسى الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب السابق نيابة عن المستشار حنفى جبالى رئيس مجلس النواب ، قلت سبحان الله العظيم ، وإسترجعت الذاكره عندما دخلت على المستشار أحمد سعد مكتبه عندما كان أمينا عاما لمجلس النواب أحاول تطييب خاطره بحكم مابيننا من عشرة عمر ترجع لأيام الطفوله حيث جمعنا بيتا واحدا فى بلدتى بسيون مولدا وإقامه ، تعايشنا فيه معا أحلى سنوات العمر، وذلك بعد أن سحب الدكتور على عبدالعال كافة صلاحياته وبات على وشك الرحيل عن البرلمان كأمينا عاما له وجدته قويا ، ثابتا لايهتز ، تعلو وجهه الإبتسامه التي لاتفارقه ، ويتملكه حاله من الثبات والطمأنينه ، والسلام النفسى ، فاستحيت أن أطيب خاطره وخرجت فخورا بثباته ، ثم تبدلت الأحوال وعاد للبرلمان معتليا كرسى رئيس البرلمان ، وماكنت أنا شخصيا أتصور على الإطلاق أن يحدث ذلك وأرى تلك الأمور القدريه بهذه السرعه الكبيره ، حتى أننى قلت سبحان الله العظيم رب العرش الكريم وأدركت أن بين المستشار أحمد سعد وبين الله عمار وهذا يقين فهو إبن الأكرمين ، وحفيد عالم جليل ، ونشأ فى كنف أهل العلم أصحاب الخلق الحميد .
يأتى الموقف الشهير الذى إنحاز فيه صديقى الحبيب وعشرة العمر معالى الوزير النبيل المهندس محمد عبدالظاهر أبو الحكم المحلى ومحافظ القليوبيه والإسكندريه السابق للحق والحقيقه ، والخاص بأراضى بالإسكندريه وكان هذا على غير رغبة الدكتور أحمد ذكى بدر وزير الإداره المحليه فى ذلك الوقت ، والتى سجلت فى لقاء شهير له مع وائل الإبراشى رحمه الله ، وفقد منصبه لكنه سجل إسمه فى صفحات التاريخ بأحرف من نور ، واليقين أن إصلاح الإداره المحليه لايمكن أن يكون إلا من خلاله ، يتعاظم الأمر عندما أثبتت الأيام أن رأيه كان هو الصواب ويعلن الرئيس إنحيازه له إنحيازا كاملا .
أخيرا كان الإنصاف من رب العالمين لصديقى العزيز وأخى الفاضل اللواء طارق عطيه أحد عظماء جهاز أمن الدوله ، ومساعد أول وزير الداخليه السابق ، وأفضل من صادقت في حياتى من ضباط الشرطه وأنبل من عرفت ، والذى تشرفت بصداقته منذ أن كان برتبة مقدم ، حيث كادوا له بعد 2011 كأحد إخفاقات من تصدروا المشهد في هذه الفتره من تأصيل للمكائد والدسائس والنيل من الكرام ، وتم نقله لإتحاد الشرطه الرياضى فى مكان مؤلم ، ثم أخرجوه عنوه من الخدمه لكنه عاد بحكم قضائى كتبت خلال تلك الفتره بمايمليه ضميرى وذلك بعمودى الأسبوعى فى ذلك الوقت بالجمهوريه والذى كان بعنوان " حكاية شعب " ، ولامنى من لامنى لأننى أدافع عنه ، لكننى لم أتراجع عن موقفى لأنه وبحق من عظماء جهاز الشرطه ، ثم عاد مرفوع الرأس عظيما ، وتولى منصب مساعد أول وزير الداخليه لحقوق الإنسان ، والعلاقات العامه والإعلام ، وشرق الدلتا وأنهى رسالته بجهاز الأمن مرفوع الرأس ، ليخرج منها معززا مكرما وليس طريدا .
خلاصة القول .. طرحت مسيرة حياه لرجال كانوا ملىء السمع والبصر وإلى اليوم من رحل منهم ومن مازال على قيد الحياه ، من تحلل من المنصب ومن مازال يجلس على الكرسى الذى يتمنى الجلوس عليه كثر لينالوا هذا القدر من التفخيم الذى بات منطلق تعامل البشر مع الكرسى وكل الجالسين عليه ، من أجل ذلك علينا أن ننتبه جيدا للحقيقه اليقينيه الخالده التي مؤداها أن لنا من دفتر الذكريات في هذه الحياه مواعظ بليغه لمن يعتبر ، يتعين أن نتوقف أمامها كثيرا وطويلا لإستلهام العبر ، والإنتباه إلى أنها الحياة الدنيا جميعا سنكون فيها ذكرى حتى ولو كنا أحياء ننزوى في ركن ركين بعيدا عن البشر ننشد السكينه والراحه والهدوء بعد طول ضجيج ، نبحث عن السلوى ونشتاق لكلمه طيبه ، ونتعايش مع ذكريات جميله ، ولنحرص أن نكون ذكرى طيبه ، وسيرة عطره نفخر بها أمام العالمين وليست دون ذلك نتوارى منها خجلا بين جدران المنازل .