لمّا كانت للمُسمَّيات تأثير في الحُسْن والقُبْح على أصحابها حيث أن الأسماء قوالب للمعاني، ودالّة عليها، كانت الحكمة أن يكون بينها وبين الشخصية إرتباط وتَناسُب ، كما قيل " وقلّما أبصرت عيناك ذا لقب .. إلّا ومعناهُ إن فكّرت في لقبه"
وجملة "لكل امرئ من اسمه نصيب" لم تأت من فراغ ، ففي كل يوم تثبت هذه المقولة صحتها، لذا قام بعض علماء الأسماء والكلام بوضع صفات عامة لكل إسم تبين تأثير الاسم في شخصية حامله، ويسمى هذا العلم منذ القدم علم معرفة الشخصية وتحليلها من خلال الاسم، ويسمى “ (Onomastics) أو (onomatology)، ويرجع هذا العلم لليونانيين منذ آلاف السنين، وقد إستخدمه الفراعنة كذلك، ووجدت نقوش تدل على ذلك.
وقد إستخدمه النبي صلى الله عليه وسلم في تغيير بعض أسماء الصحابة رضي الله عنهم جميعا ، وتفاؤله ببعض آخر ، وذلك لأن بعض الأسماء دلالاتها سيئة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد أراد علي ابن ابي طالب رضي الله عنه إطلاق إسم حرب على كل من أبنائه الثلاثة ، الا أن الرسول صلى الله عليه وسلم غيَّره في كل مرة الى الحسن ثم الحسين ثم محسن.
وبالجملة فإن الأخلاق والأفعال الجميلة تستدعي أسماء تناسبها والعكس صحيح فالأخلاق والأفعال القبيحة تستدعي أسماء تناسبها أيضاً ، وإن صاحب الاسم الحَسَن قد يستحي من إسمه ، وقد يحْمله إسمه على فعل ما يناسب ذلك الاسم،
وقد تعوَّدنا على تسمية زمن الطرب بالزمن الجميل ، ولم يكْمُن الجمال في الكلمة واللحن والصوت فقط ، بل تعدَّاها الى إختيار ما يسمى بالإسم الفني ، ويقصد به الإسم الذي يعلق بالأذهان وجذب الجمهور ، بل ويعبر عن حلاوة ورخامة الصوت ، وكان إسم الفنان يلعب دورًا كبيرًا في نجاحه ، من حيث الطابع الموسيقي وسهولة النطق.
وعلى الرغم من معرفة الأسماء الحقيقية لهؤلاء المشاهير ، الا أن الإسم الفني كان الأقرب الينا ، ولم يكن إختيار الإسم بالعمل السهل ، بل كان يتم التشاور في معناه ومدى تأثيره ، وعلى سبيل المثال تم إطلاق إسم شادية على فاطمة شاكر وقيل أنها " شادية الكلمات " حتى أن إسمها لاقى إستحسان أم كلثوم فقالت " شادية صاحبة صوت جميل، سليم ، لطيف الأداء يتميز بشحنة عالية من الأحاسيس، وبصوتها فيض سخى من الحنان، وشادية اسم على مسمى" وكذلك كثير من المطربين والمطربات ولا مجال لحصرهم ، والأهم انه في ذاك الزمن كان الفنان يعمل جاهدًا للمحافظة على إسمه وصورته وسمعته أمام جمهوره.
أما في عالم اليوم ، فلم يكتفي أصحاب التلوث السمعي ، بإختيار أقبح الكلمات ، وأسوأ الألحان وتقديمها بأحقر الأصوات ، فقد غَفَل كثير منهم -وربما كان دليل جهلهم- عن ضرورة إختيار أسمائهم وكُنَاهم وألقابهم ، فأصبحنا وأضحينا وأمسينا نسمع عن أسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، ولما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة على الشخصية فلنا أن نعلم أنه أصبح زمن المسخ ليكتمل بذلك القبح في أتم صوره.
هؤلاء الذين إكتسبوا شهرة غير مُسْتحقَّة ، وجمعوا أموالًا بسفاهه ، لا عجب في أن نكتشف أنهم أصحاب أخلاق متدنية وسمعة سيئة ، البعض منهم أدين في قضايا مخدرات وقتل ، والبعض الآخر باتت فضائحهم الأخلاقية والإجتماعية مادة يتم تداولها على صفحات الجرائد والسوشيال ميديا.
وكما قال ابن القيم رحمه الله " أكثر السفلة أسماؤهم تناسبهم ، وأكثر الشرفاء والعلية أسماؤهم تناسبهم " ، بقيَ أن نعلم أن مَن أعلى من شأن هؤلاء فهو على شاكلتهم ، وعلينا أن نتجاهلهم ، ولا نقيم لهم وزناً ، حتى ينفضُّوا عنَّا ، ونحاول إستعادة أمجادنا الفنية الأصيلة ، وإعلاء قيم الحق والخير والجمال.