تحية لرجال حملوا رؤوسهم على أكفهم و خرجو فى مثل هذا الوقت من ليلة 22 / 23 يوليو عام ١٩٥٢ لتغيير و جه العالم..
هذا اليوم الذي سيبقى يوما فاصلا ، ليس فى التاريخ المصرى فحسب ، بل فى تاريخ العالم كله
لأن ما تلى ذلك اليوم المجيد و ذلك الانقلاب المبارك، غير ما سبقه تماما
على الصعيد المصرى تحول الانقلاب المبارك الى ثورة عظيمة غيرت وجه الحياة فى مصر و غيرت أهداف و مسارات حياة المصريين بشكل هائل
و على الصعيد اللإقليمى و العالمى بدأ الاستعمار المجرم يتراجع أمام حركات الاستقلال فى افريقيا و اسيا و امريكا اللاتينية
لتبدأ حقبة جديدة من التحرر و التنمية لصالح الشعوب المقهورة
و تعد ثورة 23 يوليو الحدث الوحيد فى التاريخ المصرى التى يجب أن تحمل لقب "الثورة" ، فكلنا يعرف ان 23 يوليو بدأت كحركة للجيش وانتهت إلى ثورة شاملة قادها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ليغير من خلالها وجه مصر والمنطقة العربية بل العالم كله
ومن الواضح أن إطلاق كلمة ثورة على بعض الهبات الشعبية والمحاولات الثورية كان على سبيل المجاملة ، فالثورة تكون ثورة بما تحدثه فى حياة الشعب من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية بشكل شامل وكامل، وهذه الأمور قامت بها ثورة يوليو ، فى حين أن بقية المحاولات سواء التى جرت فى القرن الماضى، أو حتى مطلع القرن الحالى كانت ثورات شعبية جرى تقزيمها وتفريغها من مطالبها ومحتواها.
وفى كل عام نحتفل بذكرى ثورة 23 يوليو الخالدة ويواجهنا سؤال مللنا منه ومن الإجابة عليه وهو "ماذا بقى من ثورة يوليو؟"
وهنا يجب ان أجيب أن ثورة يوليو بقيت كلها .. نعم كلها..
ولم تستطع كل محاولات ضربها أو الإجهاز عليها النيل منها ، ربما نجحت فى تعطيلها أو إبطاء حركتها، لكنها لم ولن تنهيها والدليل الأبرز أن مصر ، الشعب والقيادة ، لازالت تحتفل بها فى موعدها من كل عام، مما يؤكد أنها لازالت باقية وتحاول أن تستكمل اهدافها وتعمق ما تحقق منها.
ويهمنى هنا ان أوضح أن بقاء ثورة يوليو طوال هذه المدة وقدرتها على التصدى لخصومها، حتى وهم فى قلب مؤسسات الحكم ، يعود لسبب رئيسى، وهو المتمثل فى بناء الإنسان المصرى بناءاً جديداً ، وتحويله -لأول مرة فى التاريخ - لمواطن صاحب حقوق وشريك فى حكم بلاده بعد ان عاش قرونا كرعية لبعض الممالك فى الشرق او الغرب، هذا هو الحبل السرى الذى يربط عموم المصريين بثورتهم التى نقلتهم من ظلمات حكم الأسر إلى نور المدنية الحديثة ودولة المواطنة
لذلك قد يختلف بعض المصريين حول بعض التفصيلات داخل الثورة ولكنهم لا يختلفون على الثورة ذاتها، قد يختلفون مع بعض قادتها ولكنهم يدينون لها بالولاء ويشعرون نحوها بشعور خاص ، ويرتبطون مع قائدها برباط خاص جعلت من صوره المرفوعة فى الساحات السلاح الذى يقهر خصوم الوطن ويعيدهم من حيث اتوا..
ربما يكون من نافلة القول أن نذكر بأن الرعاية الصحية والتعليمية التى توفرت للمواطن المصرى بعد الثورة كانت احلاماً لبعض المصلحين الأوائل،
كما أن تحويل الفلاح المصرى لمالكاً للأرض بعد أن كان عبداً عليها، وكذلك تحويل العمال من تروس فى عجلة الانتاج الى شركاء فى الملكية والإدارة رسخ لمفاهيم العدالة الاجتماعية، و ساعد على بناء مجتمع تكافؤ الفرص، ذلك المجتمع الذى منح الفرص للوطن لإبراز أفضل الكفاءات لتولى مواقع القيادة بالعلم والجدارة متجاوزاً عصورا من الفساد والمحسوبية انحدرت بالبلاد إلى أدنى الدرجات.
لقد نقلت ثورة يوليو ابناء الفلاحين والعمال من حقول الباشاوات واصطبلات الخيول إلى مواقع المسئولية ومنهم من اصبحوا وزراء وقادة وحكام للبلاد
ورسخت الثورة الدور الوطنى لجيش مصر العظيم باعتباره طليعة وطنية أمينة على البلاد ومصالحها ومدركة لحقائق الأمن القومى المصرى الذى لا ينفصم عن الأمن القومى العربى .
لقد أعادت ثورة يوليو اكتشاف مصر الجغرافيا والتاريخ التى تؤثر فى محيطها العربى والافريقى و الاسلامى وتتكامل معه فى إطار الدوائر الثلاث التى صنعت محاور السياسة الخارجية لمصر..
أن تكالب اعداء ثورة يوليو عليها فى الداخل والخارج لم يمكنهم سوى من عرقلتها أو تخفيف سرعة انجازها لبعض الوقت، ولكنهم لم ولن يتمكنوا من هزيمتها ،بعد أن نجحت الثورة فى بناء جيش وطنى يعتبره أبناء الشعب أميناً على ثورته وطليعة وطنية تقود نضاله وتحرس مستقبله
ملحوظة لبتوع ثورة دى و لا انقلاب :
الثورة فى اللغة كلمة تحمل من المعانى ما يفوق الانقلاب بكثير
فهى تعنى الهيجان الشديد و اتيان غير المألوف من الاعمال و هى تنسب فى الاساس لكلمة ثور. يعنى كلمة الانقلاب الطف بكتير من كلمة ثورة !!
أما الثَّوْرَة بمفهومها السياسى هى تغيير أساسي في الأوضاع السياسية والاجتماعية يقوم به الشعب في دولةٍ مَّا، و هذا ما حدث بالتفصيل بعد انقلاب يوليو المبارك