جميعنا يتذكر الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري فهو أحد الصحابة الجليلين للنبي محمد، اشتهر بصدقه وإيمانه القوي وإقباله علي الله وحسن الوكل عليه سبحانه فكان قدوة في الصدق والثبات على الحق في جميع الأوقات والظروف واستمرت مواقفه العظيمة في إظهار نفسه كشخصية استثنائية في تاريخ الإسلام، ففي غزوة تبوك التي وقعت في العام 630م تخلف أبو ذر عن رسول الله، وأبطأ به بعيره الضعيف الهزيل ولكن لم يتردد أبو ذر في اللحاق بالرسول وجيشه فنزل من راحلته وحمل متاعه ومشى حتى يلحق بالجموع، ولاحظ بعض المسلمين ذلك وقالوا للنبي محمد: "يا رسول الله، هذا رجل يسير وحده على الطريق" فأجاب النبي محمد: "كن أبا ذر"، وبعد أن تأملوه قالوا: "هو والله أبو ذر"، فقال النبي محمد: "رحم الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده" هذه المواقف تبرز شجاعة وإصرار أبو ذر الغفاري، وتعكس تفانيه وانتمائه العميق للإسلام والنبي محمد فقد كان يضع الحق وطاعة الله فوق أي اعتبار آخر وكان مستعدًا للتضحية والمثابرة من أجل الدين ومن أجل إرضاء الله.
رأيت في حج هذا العام أبو ذر وقد بعث من جديد وجدته وتذكرته حين وجدتني أبكي وأنا أري تلك الصابرة المحتسبة ماجدة محمد موسى وهي أرملة مصرية تبلغ من العمر 63 عامًا، قررت أداء فريضة الحج والتوجه إلى جبل عرفات رغم مرضها ومشاكلها الصحية شعرت بشوق كبير ورغبة قوية في تحقيق هذا الركن الأعظم للحج ومُنعت مثل الكثيرين من إستخدام وسائل مواصلات فقررت أن تكون ابو ذرٍٍ الغفاري من جديد، جسدت الحاجة ماجدة عزيمة وإصرار المسلمين على أداء فريضتهم حين قررت الذهاب إلى عرفات سيرًا على الأقدام، وسط الجبال والطرق غير الممهدة لم تشعر بمشقة الطريق فروحها وجسدها كانا في عالم آخر، حيث كانت تفكر فقط في تلبية نداء الله وتحقيق أمنيتها في أداء فريضة الحج.
حملت حقيبتين إحداهما على رأسها والأخرى على ظهرها، الحاجة ماجدة التي توفي زوجها في عام 2010 وترك لها 9 من البنين والبنات هم 6 أولاد و3 بنات وصاحبة الـ63 تسلقت وسارت وهرولت وتخطت العقبات بإصرار وقوة إرادة وإيمان راسخ أن التوكل علي الله هو سلاحها الذي لا يمكن هزيمته فاستمرت في رحلتها بثبات وثقة، وصدرت مشهدًا يجسد روح العبادة والتضحية حيث تخطت الصعاب وتحدت الظروف الصعبة لأداء فريضتها كانت تثق بالله وتعتمد على قوته ومساعدته في كل خطوة تخطوها كما ألهمت الكثيرين بقصتها حيث أصبحت رمزًا للإصرار والإيمان لبت نداء الله الحق معتمدة عليه سبحانه واثقة في نصره متأكدة أنها طالما سسعت من قلبها وكل جوارحها إلي الله فلن يضيعها الله وسيحقق لها حلما وتصبح لنا نحن المتابعين رمزًا وقدوة لحسن الإعتماد علي الله والتوكل عليه وحده سبحانه.
الحاجة ماجدة وأمثالها يذكرونا بأهمية الاجتهاد والتفاني في سبيل تحقيق أهدافنا الدينية والروحية إنهم يعلموننا أنه بغض النظر عن الصعوبات التي نواجهها يمكننا تحقيق ما نصبو إليه إذا كنا مستعدين للعمل الجاد والتضحية فقد أخبروها يوم عرفة أنه لا حج لهم لأنهم زيارات والسلطات تمنع حجهم فما كان منها إلا انها إتخذت قرارها بالسير علي الأقدام حتي الوصول، وقد سمعت مكالمتها مع دفعتي في نقابة الصحفيين إبنتي الغالية وشقيقتي الصغري الصحفية المبدعة حبيبة جمال، وهي تتحدث عن حزنها علي سماعها قرار منع حجاج الزيارات ونزولها من الحافلة متخذة قرارها الذي لا رجعة فيه "أنا جيالك يارب العالمين ولن يمنعني أحد" واستمرت في طريقها حتي وصلت بل ومن إخلاصها وإعتمادها علي الله أصبحت أيقونة الحج هذا العام بل وصدرت إلي قلوبنا وعقولنا وعلمتنا أن التوكل علي الله والإعتماد عليه والسعي نحوه لا خسارة فيه والمكسب قادم لا محالة في الدنيا والآخرة.
تلك القصص لتلك الشخصيات الرائعة تذكرنا بصحابة رسول الله مثل أبو ذر الغفاري الذي طالما تحدث التاريخ الإسلامي عنه لتأتي الحاجة ماجدة وتبعث فينا الروح والأمل وتعزز فينا الإيمان والإرادة وتذكرنا بأهمية الاستمرار في سبيل الخير والحق بغض النظر عن الصعاب التي نواجهها إنها تذكرنا أيضًا بأن الله معنا في كل خطوة نخطوها وأنه سيمنحنا القوة والثبات لتحقيق أهدافنا إذا كنا صادقين ومخلصين ونستلهم من هذه القصص العديد من الدروس والتعاليم القيمة كـ الثبات على الحق مهما كان بعيدًا والاجتهاد في سبيل الله ولو كان مهلكًا والتفاني في العبادة مهما كلفنا الأمرفأنت تقصد وجه الكريم الجبار القادر فلا فكر ولا عقل ولا منطق طالما الأمر بالله ولله وعلي الله قصص تشع بالأمل والعزيمة وتذكرنا بأن الإيمان القوي بالله والعمل الصالح لأجله سبحانه قادران على تحقيق التحول والتغيير في حياتنا وفي المجتمعات التي نعيش فيها.
للصحابي الجليل مواقفه الكثيرة وشعوري أن الحاجة ماجدة أبو ذر يُبعث من جديد لانهما قصتان متشابهتان تبرزان حبهما العميق وإصرارهما الشديد على الإسلام والإيمان فأصبحا رموزًا للتفاني والتضحية في سبيل الله وتحقيق الأهداف الروحية على الرغم من اختلاف ظروفهما وزمانهما فكلاهما أظهر ثباتًا قويًا على الحق والدين كان لديهما إيمان عميق بالله في جميع الأوقات والظروف فأبو ذر سار حتي لحق بالنبي وماجدة سارت حتي وصلت لعرفات الله كلاهما أظهر اجتهادًا كبيرًا وتفانيًا في سبيل تحقيق أهدافهما الروحية لم يمنعهما العوائق والصعاب من السعي والتضحية من أجل الله والدين وكان لدى الاثنين ثقة كبيرة في الله ورحمته ومساعدته كانوا يعتمدون على الله في كل خطوة يخطونها ويثقون أنه سيمنحهم القوة والثبات لتحقيق أهدافهم من لتصبح الحاجة ماجدة رمز ومصدر إلهام للآخرين يحتذى بها كنموذج للإصرار والإيمان وتعكس قوة الروح والقدرة على تحقيق العزم الشديد فحبها العميق واصرارها على الإسلام والايمان جعلها رموزًا للتفاني والتضحية في سبيل الله ومصدر إلهام للمسلمين في جميع أنحاء العالم تذكرنا قصتها بالرعيل الرعيل وأهمية الثبات على الحق والالتزام بالقيم والمبادئ في وجه التحديات والصعاب وأن الإيمان القوي والتفاني في سبيل الله هما المفتاح لتحقيق السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.
ففي قصة أبو ذر الغفاري نرى أنه كان من الصحابة المخلصين للدين وكان لديه إيمان عميق بالله ورسوله وكان مستعدًا للتضحية في سبيل الله والدفاع عن الإسلام قدم نفسه كقربان للدين وكون صداقة وثيقة مع النبي وشهد العديد من المعارك الهامة في سبيل نشر الإسلام بفضل إيمانه وتضحياته فأبو ذر رمزًا للإخلاص والثبات في وجه الصعاب، وفي قصة الحاجة ماجدة نجد أنها امرأة مسلمة تعيش في وقتٍ مختلفِِ وظروفٍ مختلفةِِ وكان لديها إيمان قوي بالله وتفانٍ قاومت التحديات والمعاناة فربت اولادها التسع وحدها ثم سارت وحدها إلي الله مستعينة به متوكلة عليه في زمن ندر فيه الإخلاص والعمل فأصبحت مصدرًا لإلهام للآخرين بقوتها وإيمانها العميق.
فالايمان القوي والإقبال على الله هما القوة الدافعة التي تمكننا من التغلب على الصعاب وتحقيق النجاح بمساعدة الله تبارك وتعالى.