كلُّ إنسان منا راضٍ بعقله, ومقتنعٌ بفكره, وربما يحتقر البعض عقول الآخرين, وكثيرٌ منا ساخط على رزقه, ويتطلع إلى رزق غيره.
فلماذا نرضى بعقولنا ونسخط على أرزاقنا؟ رغم أن من فاضل بين العقول وقَسَّم الأرزاق هو الله تعالى وحده.
والعاقل في الحقيقة هو الذي يُنمِّي دوماً عقله من خلال الإفادة من عقول الناس وتجاربهم وخبراتهم, وتَجَنُبِ أخطاء السفهاء وجهلهم, فالعاقل دائما في ترقي وعقله يتسع كَيْفاً ويزداد كَمّاً.
كما أن العاقل لا يحتقر عقول الآخرين ولا يسفه آراء غيره, بل يعرض آراء الناس على عقله, فيقبل منه ما يشاء, ويدع منه ما يشاء بكل تقدير واحترام؛ فيُحبه لأدبه وأخلاقه المُؤيد والمُعارض والمُوافق والمُخالف, وفي ذلك يقول الإمام الشافعي -رحمه اللَّه تعالى- مقولته الشهيرة: "قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب".
وفي مسألة الرزق العاقل أيضاً يقنع بما آتاه الله ويرضى بما قسمه الله, وهذا هو الغنى النفسي الحقيقي الذي يقول فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس", وكان التابعي الكبير سعيد بن جبير يقف عند باب الكعبة ويسأل ربه القناعة في الرزق ويقول في دعائه: "اللهم اغفر لي ذنوبي، وقنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه".
كما أن العاقل يرى دائماً رزقه كثير وفضل الله عليه كبير, وذلك من خلال أمرين:
الأول: الرضا برزق الله وقدر الله, كما جاء في الحديث: "من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له, ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له".
الست محروسة ست سمينة من ذوي الإعاقة, وتعمل على (تروسيكل)؛ حتى تستطيع أن تداوي زوجها وتربي أولادها, تقول: (ما تكلش) عيش وملح وأنت راضي عن ربنا إلا ويجعله شَهْد في (بوقك), وتقول: أكلت أنا وأولادي (رجول) فراخ (واحنا) راضيين بالله, والله كانت بتبقى شَهْد في (بوقنا), وعقب الرئيس السيسي في اتصاله بها بقوله نعم القليل ربنا (بيجعله) شهد لبعض الناس, وبعض الناس (بيتعذب) بالكثير.
الثاني: النظر الدائم لمن هو أقل منك مالاً وجاهاً وصحة, أو من هو أعظم منك مصابا وبلاء, قال- صلى الله عليه وسلم -: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أجْدَرُ أنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ", فكلما نظر الإنسان لمن هو دُونه غمرت السعادة قلبه واستشعر فضل الله عليه, وكلما نظر الإنسان لمن هو فوقه غمر الحزن قلبه, ولا يرى فضلا لله عليه, يقول دكتور نفساني كنت أعالج رجلا من الأغنياء, من أصحاب الملايييين, قال وكان سبب حزنه وبؤسه نظره الدائم لأخيه وابن عمه الأكثر منه مالا.
فلنرضى دائما وأبداً برزقنا, كما نرضى بعقولنا, فكلٌ من عند ربنا, ولنتخذ من عقولنا سبيلا لتوسيع أرزاقنا, فأغنى الناس وأسعد الناس هم أعقل الناس.