أمران متقابلان ومتكاملان في القرآن الكريم: الأول: للمؤمنين بالصلاة والسلام على سيد الأنام: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: 56].
والأمر الثاني: للنبي أن يصلى بنفسه على أمته, فقال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة: 103], فأمتك يا محمد ليست كسائر الأمم التي كانت من قبل تهين الأنبياء وتؤذيهم وتقتلهم كما قتلوا يحيى عليه السلام, وفيهم يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}[الأحزاب: 69].
أما هذه الأمة فتحبك يا محمد وتقدسك وتعظمك وتصلي عليك فصل أنت عليهم وادع لهم, فبادر النبي صلى الله عليه وسلم وامتثل أمر ربه, وكان همه الأكبر هو الأمة, كما قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، ادع الله لي، فقال: "اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ"، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسل: "أيسرك دعائي؟"، فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك, فقال: والله إنه لدعائي لأمتي في كل صلاة" فكان صلى الله عليه وسلم لا يغفل عن الصلاة والدعاء لأمته في كل صلاة, بل كان النبي يدعو ويحنوا حتى على المعاندين الذين آذوه ويقول: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
وهذا من حبه صلى الله عليه وسلم ورحمته وحرصه على أمته: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: 128].
وكان الصحابة يلتمسون هذه الصلاة النبوية؛ لأن صلاته عليهم سكن لهم ورحمة وراحة لهم وخير وبركة في الدنيا والآخرة, فجاءت امرأة وقالت: يا رسول الله، صل علي وعلى زوجي, فقال: "صلى الله عليك وعلى زوجك", وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا لرجل أصابته، وأصابت وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ, كما أخبر حذيفة رضي الله عنه.
هذا في الدنيا أما في يوم القيامة ويوم الشفاعة العظمى فلا يهتم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بأمته ويقول: "أمتي أمتي", وقال صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أمته كالوالد مع أبنائه فالوالد لا يدعوا لأولاده فحسب بل ينصحهم ويرشدهم ويوجههم للطريق المستقيم, وهذه من تمام حبه لهم, وصلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأمة ليست مجرد دعاء لهم فحسب بل دعاء ونصح وتوجيه, فما من خير إلا ودلّ الأمة عليه، وما من شرٍ إلا وحذر الأمة منه, وهذا من تمام صلاته عليهم.
ولهذا كان من كمال صلاتنا عليه طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم كما أن الابن يدعوا ويستغفر لأبيه وفي ذات الوقت يمتثل أمره ويجتنب نهيه ويقبل نصحه.