• التعاون بين نظام كييف والمنظمات الإرهابية في إدلب مستمر منذ زمن بعيد وكانت لهم مساهماتهم بالمسيرات في هجوم حلب
-أسئلة موجعة
مما ات شك فيه أن استيلاء الفصائل المسلحة "الإرهابية" على حلب كان ضربة قاسية ليس لسوريا وحدها، بل ولحلفائها وبشكل رئيس روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وهذا يطرح عمليا أسئلة موجعة إلى حد كبير ذاك أن هجوما ضخما من هذا النوع يحتاج إلى أسابيع عديدة للتحضير له، ثم يحتاج إلى معطيات لوجستية وإجراءات عملية وتنسيق مع أصحاب القرار أي الأتراك، كيف لم تستطع لا المخابرات السورية العسكرية ولا المخابرات الروسية أن تسجل مثل هذا الأمر خاصة أن لدى الروس أقمارا صناعية تستطيع رصد تلك الحشود التي تهيأت للاقتحام، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وأين تفاهم آستانة والاتفاق على منطقة خفض التصعيد؟ ما الذي جرى؟ وكيف يمكن أن يوجه الشريك التركي هذه الطعنة في الظهر للشريك الروسي والإيراني على حد سواء؟
-تبريرات وتقديرات
يرى البعض أن الأمر يعود إلى تردي الأوضاع المعيشية في سوريا إلى درجة كبيرة وهذا حق، وكان يجب أن تنتبه إليه السلطات منذ زمان بعيد، ولكنه هنا تحديدا غير موضوعي فمعاناة الشعب السوري لا تُحل من خلال احتلال المنظمات الإرهابية للعاصمة الاقتصادية السورية، كما أن مثل هذه الآراء دون أن تدري تصور أن جبهة النصرة -المدانة عالميا وأمميا بأنها إرهابية- قد تحركت وقامت بهجومها على حلب بدافع إنقاذ الشعب السوري...!!! كما سيبدو من خلال طرح الأمور على هذه الشاكلة أنه يبرئ التكفيريين من مواقفهم المتطرفة، وكأنهم تابوا عن قطع الرؤوس، رغم أنهم لا يخفون توجهاتهم حتى في الفيديوهات التي يطرحونها حاليا مهددة متوعدة باسم الله الذي يحتاج إلى "نصرتهم"!!! لذا وإن كنت اعتبر السلطات في سورية مقصرة بحق الشعب في سورية لكن احتلال حلب لا يجوز النظر إليه من هذا المنظار على الإطلاق... هناك طعنة من الخلف للحليفين في مشروع آستانة، والدافع الرئيسي لها هو شعور "الباب العالي- الباشا العثماني" بالإهانة لأنه اقترح الصلح مع الرئيس السوري والرئيس بشار الأسد رفض ذلك حسب معظم تفسيرات المصادر التركية، كيف يمكن أن يرفض؟ والحقيقة أن الرئيس السوري لم يرفض ولكن طالب بما يطالب به أي رئيس يحترم شعبه وسيادة بلده، فقواته لا تحتل أراض تركية بل العكس، وقد طالب بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية أو على أقل تقدير التأكيد بوثيقة رسمية على أنه سينسحب، لكن الباشا العثماني يريد أن تأتيه سورية طائعة ذليلة وهو المحتل لأراضيها طالما طلب الصلح!!!
وهنا وضع شريكيه الرئيسيين روسيا وإيران في حالة حرجة، فالثلاثي ضامن للاستقرار وإذ بأحد هؤلاء القادة الثلاثة يطعن شريكيه في ظهريهما ولا يتيح هجوم هذه الآلاف من الإرهابيين بل ويقدم لهم الدعم العملي والمادي والسلاح وتقدم إسرائيل والولايات المتحدة الدعم اللوجستي والمعنوي بعد أن فرغت من لبنان، وحتى الإحداثيات ذاك أن الهجوم بدأ بالمسيرات على أهداف محددة لمواقع الجيش السوري، من هنا بات الشارع السوري يطرح بقوة ألم يحن الوقت لموسكو أن تتنبه جيدا من صديق يمكن أن يقلب ظهر المجن في أية لحظة؟ ، لقد تمكن من تحويل آلاف المقاتلين وخاصة في جبهة النصرة المعتبره دوليا منظمة إرهابية، بل وحتى في تركيا تعتبر إرهابية، ومع ذلك يقدم لها كل التسهيلات والسلاح، ولم يكن صدفة كذلك أن تُستخدم ضد الدبابات السورية صواريخ أمريكية مضادة للدروع.
-روسيا متضررة أيضا
طبعا من الواضح أن روسيا ستكون متضررة جديا في إطار المستقبل إن تم تكريس انتصار الفصائل المسلحة، فقسم غير قليل منها من شمال القفقاس والفولغا وآلآف من المتشددين الإسلاميين من آسيا الوسطى، وسيشكلون عبئا ومخاطر عديدة لروسيا لاحقا، من هنا فإن روسيا معنية بدرء هذه المخاطر مسبقا ولهذا اتفقت مع تركيا التي ترعى ولا تخفي ذلك عمليا هؤلاء المسلحين بل وقسم منهم ما يسمى بالجيش الحر يحصل على رواتبه من تركيا عدا عن تمويل شؤونه العسكرية، وهو يعتبر فرقة عسكرية تركية تماما.
وقد قام أردوغان المحتل للأراضي السورية بتثبيت نفسه ليكون أحد الأطراف المُساهِمة والضامنة في مشروع خفض التصعيد واتفاقات حل التهدئة، بما يسمى منصة آستانة منذ عام 2017 ، محتل وضامن ومساهم لتكريس الاستقرار أمر عجيب أليس كذلك؟ هو يدعم ويسلح الإرهابيين والتكفيريين علنا، حتى الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها، تجاوزها عشرات المرات المسلحون الذين تدعمهم تركيا، بما في ذلك مسرحية فصل المتطرفين المتشددين عن المعتدلين، وكأنما يوجد بين التكفيريين معتدلين، لعله يقصد أن هؤلاء يحسنون القتل بشحذ سكاكينهم أثناء قطع رؤوس من يعتبرونهم "كفارا".
-الظلال الأوكرانية في هجوم حلب
لم تكن عمليات دعم أوكرانيا للمسلحين الإرهابيين في سوريا خفية على أحد، ومنذ فترة طويلة حيث قطعت العلاقات بين سوريا وأوكرانيا التي تواصلت عبر الناتو وتركيا مع المسلحين في إدلب، ورغم استمرار العلاقات الطبيعية بين موسكو وأنقرة إلا أن تركيا لم تقدم لروسيا أي موقف سياسي إيجابي فقد اكتفت بعدم فرض العقوبات على روسيا، وهذا ليس كرم أخلاق من أردوغان، بل لأنه يعرف جيدا أنه هو الذي سيتضرر، يكفي حجب ملايين السياح سنويا، عدا عن البضائع الكثيرة بما في ذلك الخضراوات والفواكه التي يصدرها لروسيا إلا أنه رفض الاعتراف بانضمام شبه جزيرة القرم ولا المقاطعات الأربع التي كانت كالقرم تاريخيا أراض روسية وتعيش فيها إلى الآن غالبية روسية، ويبدو وهذا الأرجح أن أردوغان استغل ظرف روسيا الحرج والاستثنائي في حربها مع النازيين الجدد في أوكرانيا، فقام بهذه الطعنة في الظهر لتأكده من أن روسيا لن تقوم بفتح جبهة مواجهة مع تركيا في هذه الظروف الحساسة، لكن الأخطر من ذلك أن تركيا كانت تسهل لأوكرانيا والمخابرات الأوكرانية عمليات التواصل مع الإسلامويين المتطرفين في إدلب، وهناك معطيات أكيدة بوجود صفقات بين المخابرات الأوكرانية والإرهابيين في إدلب لتزويدهم بالمسيرات وتدريبهم على استخدامها ضد القوات السورية وبالمقابل إرسال مقاتلين من هؤلاء الإرهابيين للقتال مع القوات الأوكرانية ضد روسيا.
-وقائع وتصريحات تؤكد التدخل الأوكراني في سوريا
لنبدأ من حقيقة التعاون العسكري بين تركيا وأوكرانيا حيث زودتها تركيا -التي تعتبر شريكا لروسيا - بمسيرات بيرقدار منذ أمد بعيد، حتى يمكن القول أن أول عهد أوكرانيا بالمسيرات القتالية من دون طيار كان بمسيرات بيرقدار التركية، ومن الواضح إن الأوكرانيين بعد أن أتقنوا التعامل مع المسيرات نقلوا تجربتهم إلى المسلحين في إدلب عن طريق خبراء عسكريين، وحتى مقاتلين طالما الأمر في نهاية المطاف يصب ضد روسيا أي قتال روسيا في أي بقعة في العالم علَّ ذلك يضعفها، حتى أن الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروف أشارت بوضوح إلى الظلال الأوكرانية في الهجوم البربري على حلب مشيرة إلى أن الإرهابيين لم يكن لهم أن يقدموا على هذا العمل الوقح دون الدعم الكامل من القوى الخارجية التي تسعى إلى إثارة جولة جديدة من المواجهة المسلحة في سوريا وتغذية دوامة العنف مشيرة إلى وجود المنحدرين من الاتحاد السوفييتي في صفوف الإرهابيين بمن فيهم من أوكرانيا، وقد أكد على هذه المضامين مندوب روسيا الدائم فاسيلي نيبينزا الذي أوضح أن الإرهابيين في سوريا يحصلون على الدعم من الولايات المتحدة وحلفائها بما في ذلك بالسلاح، وكان وزير الخارجية الروسية لافروف قد أعلن في أكتوبر الفائت أن نظام طييف يقوم بتدريب مسلحين من تنظيم هيئة تحرير الشام في سوريا بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وأن هذا التدريب يشمل استخدام تقنيات جديدة حتى لانتاج طائرات بدون طيار لاستخدامها في العمليات العسكرية ضد سوريا. وكل ذلك لا بد أن يمرّ عبر تركيا تحديدا. حتى الصحافة التركية فضحت هذا التعاون حيث نشرت صحيفة "إيدينليك" التركية صورة لشخصين يرتدي أحدهما قميصا عليه رمح ثلاثي وهو شعار أوكرانيا التاريخي والآخر بزي عسكري والصورة ملتقطة في إدلب في يونيو المنصرم.
نشير أخيرا إلى أن لافرنتيف مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية أعلن بوضوح أن روسيا ستقضي على رجال المخابرات الأوكرانية الموجودين في سوريا، وسيتم رصدهم والقضاء عليهم باعتبارهم متواطئين مع الإرهابيين، ولا بد من الإشارة أيضا إلى أن ناريشكين مدير جهاز المخابرات الخارجية أعلن أن كييف تزود المنظمات الإرهابية في سورية بطائرات مسيرة هجومية واستطلاعية إضافة إلى الذخيرة وذلك مقابل تجنيد مسلحيها ضد أهداف روسية وكذلك للقتال في كتائب المرتزقة التابعة للقوات الأوكرانية، وأن المخابرات الأوكرانية تتواصل مع هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني وقوات سورية الديمقراطية وأجناد القوقاز وجيش تحرير أنغوشيا... وحتى هذه التسميات تعبر عن مضمونها الإرهابي الانفصالي.