ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن أحداث ٣٠ يونيو ٢٠١٣ داخل المجتمع المصري والتي حفرت قبر جماعة الإخوان الإرهابية وقضت بشكل نهائي على مستقبلهم السياسي، ولا يمكن الحديث عن ٣٠ يونيو ٢٠١٣ دون العودة لأحداث 25 يناير 2011 فقبل هذه الأحداث مباشرة كان المجتمع المصري يموج بحالة من الغضب، ضد سياسات الرئيس مبارك وحكوماته، التي رسخت الفجوة الاجتماعية الهائلة بين شرائح وفئات وطبقات المجتمع المصري، حيث إنقسم المجتمع لقسمين الأول صغير جداً يحوز الثروة والسلطة ويتمتع برغد العيش، والثاني الغالبية العظمى من الفقراء والكادحين والمهمشين الذين يعانون من شظف العيش، وخلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك تعمقت الفجوة أكثر فأكثر وصعدت مجموعة من رجال المال لا يمتلكون أي أصول اجتماعية تبرر امتلاكهم لثرواتهم الضخمة، ولم يكتفي هؤلاء بهذه الأموال الطائلة بل سعوا لعقد زاوج غير شرعي مع السلطة، والتفوا حول جمال مبارك في محاولة لتوريثه الحكم، وهنا ارتفعت وتيرة الغضب وتراكمت الاحتقانات حتى جاء الانفجار في 25 يناير 2011.
ومع الانفجار الشعبي واضطرار مبارك للخروج من البيت الرئاسي، تحول المجتمع إلى فوضى عارمة، ونتيجة مصادرة العمل السياسي خلال فترة حكم مبارك والتضييق على الأحزاب السياسية، مما أدى إلى تجريف الحياة السياسية في مصر، وعدم جاهزية أي فصيل سياسي للصعود للحكم، والقيام بدور البديل لمبارك وحكومته، مما مهد الطريق لصعود تيار الإسلام السياسي وعلى رأسه جماعة الإخوان الإرهابية التي كانت تمتلك القدرات والأدوات التنظيمية باعتبارها تنظيم دولي، هذا إلى جانب السماح لها بالتغلغل والتمدد على كامل الخريطة الجغرافية والاجتماعية المصرية، ففي الوقت الذي كانت تنسحب فيه دولة مبارك وتتخلى عن مسؤوليتها الاجتماعية تجاه مواطنيها، كانت جماعات الإسلام السياسي تسرع الخطى لتحل محلها عبر العديد من الآليات الخدمية خاصة في المناطق الفقيرة في الريف والحضر.
وفي لحظة الفوضى العارمة خرجت جماعات الإسلام السياسي من تحت الأرض، وانقضت جماعة الإخوان على السلطة واختطفتها، وعاش الشعب المصري عامين ونصف من عدم الأمان والتهديد المستمر لكل ما يمتلكه، وأصبح الوطن على وشك الانهيار، حيث غابت المنظومة الأخلاقية وأصبحت شريعة الغاب والبقاء للأقوى هي التي تفرض نفسها في كل مكان، وهنا كان لابد من وسيلة للإنقاذ وبالفعل حاولت القوى السياسية المدنية الضعيفة والهشة القيام بدور في مواجهة تيار الإسلام السياسي الظلامي في محاولة للخروج من التيه وإنقاذ البلاد من المستنقع الذي سقطت فيه، لكن هيهات أن تنجح هذه التوليفة الغريبة وغير المتجانسة على كافة المستويات في تحقيق مهمة الإنقاذ.
وعندما بدأ اليأس في التسرب للنفوس ظهرت بوادر أمل جديد لكن هذه المرة من خارج النخب السياسية المعروفة والتي شاخت على مقاعدها، مجموعة من الشباب الذين شاركوا في أحداث 25 يناير 2011 والذين لا يمتلكون أي خبرات سياسية أو تنظيمية قرروا التمرد على محمد مرسي وجماعته التي استولت على الحكم في غفلة من الزمن وأشاعت حالة من الرعب داخل قلوب الغالبية العظمى من الشعب المصري، وقام هؤلاء الشباب صغار السن بكتابة ورقة بسيطة أطلقوا عليها تمرد لسحب الثقة من نظام الإخوان وتحت هذا العنوان كتبوا حملة تمرد ( سحب الثقة من محمد مرسي العياط ) " عشان الأمن لسه مرجعش للشارع .. مش عايزينك – عشان لسه الفقير ملوش مكان .. مش عايزينك – عشان لسه بنشحت من بره .. مش عايزينك – عشان حق الشهداء مجاش .. مش عايزينك – عشان مفيش كرامة ليا ولبلدي .. مش عايزينك – عشان الاقتصاد انهار وبقى قايم ع الشحاته .. مش عايزينك – عشان تابع للأمريكان .. مش عايزينك " ثم تابعوا " منذ وصل محمد مرسي العياط إلى السلطة، يشعر المواطن البسيط بأنه لم يتحقق أي هدف من أهداف الثورة، التي كانت العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني، وفشل مرسي في تحقيقها جميعاً، فلم يحقق لا الأمن، ولا العدالة الاجتماعية، وأثبت أنه فاشل بمعنى الكلمة، ولا يصلح لإدارة بلد بحجم مصر " ثم كتبوا " لذلك: أعلن أنا الموقع أدناه بكامل إرادتي، وبصفتي عضواً في الجمعية العمومية للشعب المصري، سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي عيسى العياط، وأدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة وأتعهد بالتمسك بأهداف الثورة والعمل على تحقيقها ونشر حملة تمرد بين صفوف الجماهير حتى نستطيع معاً تحقيق مجتمع الكرامة والعدل والحرية ".
وانطلقت حملة تمرد في يوم الجمعة 26 أبريل 2013 من ميدان التحرير بالقاهرة، وأعلنت أنها سوف تنتهي في 30 يونيو 2013 وقام شباب الحملة بالتحرك في طول وعرض البلاد ولاقت الورقة رغم بساطتها قبول جماهيري كبير، وأعلنت الحركة على لسان قائدها والمتحدث الإعلامي باسمها محمود بدر أنها قد جمعت 200 ألف توقيع في الأسبوع الأول، ارتفع ليصل إلى 2 مليون و29 ألف و592 في الأسبوع الثاني، وقبل انتهاء المدة المحددة خرج محمود بدر في مؤتمر صحفي حاشد ليعلن أن الحملة جمعت 22 مليون توقيع لسحب الثقة من محمد مرسي، وطالب الجماهير بالخروج يوم 30 يونيو في كل شوارع مصر ليعلنوا سقوط مرسي وجماعته، وجاء يوم ٣٠ يونيو وخرجت جموع الشعب المصري كما لم يخرجوا من قبل في التاريخ، وكان الخروج تعبيراً عن إرادة شعب قرر أن يسترد وطنه المختطف، وانحاز الجيش للشعب وعادت مصر من جديد لتعلن عن بدأ مرحلة جديدة تطوي فيها ورقة الفوضى العارمة وتعلن عن عودة الأمن والأمان، وها نحن اليوم نحتفل بالذكرى العاشرة لعودة وطننا المختطف وعلى الجميع السعي للحفاظ على استقرار هذا الوطن العزيز الذي تطهر في ٣٠ يونيو من دنس الإرهاب وحفر للإخوان مقبرة لن يخرجوا منها أبداً..
اللهم بلغت اللهم فاشهد.
د. محمد سيد أحمد
أستاذ علم الاجتماع