كيف كان شكل الوجود وطعمه في عين آدم عليه السلام قبل أن يخلق الله حواءَ من ضلعه الشريف؟!؟!
أقول: كان آدم عليه السلام يعاني من قسوة الوحدة ووحشة الانفراد ووعورة أن تعكس مرآة الوجود وجها واحدا فقط!
وكان أن أراد الله أن يرقرق في هذا الوجود الوعر مياه رحمته وألطافه وحنانه فخلق المرأة من آدم، من الرجل..! خلقها كاملة منه..! ولهذا؛ فقد تستغني المرأة عن الرجل، ولا يستغني هو عنها بأية حال!
ولأنها جزء منه؛ ففي رحلته إلى الله والوجود لا بد للرجل من العبور من بوابة المرأة، لا بد له من طاقة التأنيث الوجودية! لا كمال له إلا بذلك.. ! ولهذا نفهم الآن ما نقل إلينا من أن كثيرا من السلف الصالح كانوا يتحرجون من عدم الزواج حرجا شديدا.. ويحسون بخجل النقصان الفادح إذا قابلوا الله وهم بغير وصف الزوجية!
والرجل خلقه الله بيده في صورة آدم عليه السلام، فهو نتاج عالم القدرة.. لكن المرأة خلقت من الرجل بكن فيكون.. فهي من عالم الأمر.. وهي في هذا تشبه الروح.. إذ «الروح من أمر ربي».. ولهذا.. نستطيع أن نقول: الرجل جسد، والمرأة روح! ولا جسد بلا روح! وقد تكون روح بلا جسد!!
ولأن عالم الأمر أرقى من عالم القدرة؛ فمظهر الإعجاز الإلهي في المرأة أرقى وأكمل وأجمل!
ولك أن تقول هنا أيضا: إن طريق المرأة إلى الله أقرب من طريق الرجل.. لأن عالم الأمر أقرب من عالم القدرة!
وفي اللحظة التي تنفست فيها حواء، ودخل الهواء إلى رئتيها الحانيتين حدث أعظم انقلاب في تركيب العالم والوجود.. حدث أن ضخت الأنثى طاقتها التأنيثية في العالم، حين زفرت زفرتها الأولى..! وحدث أن أعيد تشكيل الكون من جديد..! وبعد أن كان الوجود ملكا لآدم وحده.. أصبح الوجود شركة دائمة بين الاثنين..! وحدث على مستوى اللغة أن مارست الأنثى غواية لعبها وكيدها الأثير.. فلم تترك بقعة من بقاع المعنى الوجودي إلا وزرعت فيه أزهارها الأنثوية.. بكل خفة وأناقة وجمال ودلال وحنان..!
فإذا قال الرجل: أنا الكتاب والغلاف والسطر والمتن والهامش والفهرس! أبت المرأة إلا أن تزاحمه في هذا الحقل فتقول: وأنا الصفحة والمقدمة والخاتمة والحاشية وعلامات الترقيم، وأنا الكلمة! وفي البدء كان الكلمة كما يقول الإنجيل!
وفي حقل مماثل مقدس أعلى تحجز اللغة للرجل حظ: القرآن والمصحف والجزء والحزب..! وللأنثى تحتفظ لها بنصيب: الآية والسورة والفاتحة وكثير من أسماء السور كالفاتحة والمائدة والأنعام والتوبة والصافات والحجرات والحاقة والواقعة والمرسلات والنازعات والغاشية والعاديات وغيرها..!
يقول الرجل: أنا الوقت والعام والشهر والأسبوع واليوم!
فتقول الأنثى: وأنا الساعة والدقيقة والثانية.. !
يقول الرجل: أنا الكلام والقاموس!
فتقول المرأة: وأنا اللغة والمفردات!
يقول الرجل: أنا الشعر! فتقول المرأة: وأنا القصيدة!
يقول الرجل: أنا الوزن!
فتقول المرأة: وأنا العروض والقافية!
يقول الرجل: أنا الوحي والإلهام والجبل والتجلي!
فتقول المرأة: وأنا الموسيقى والشجرة والنار!
يقول الرجل: أنا السيف والرمح والقرطاس والقلم!
فتقول المرأة: وأنا الطعنة والصحراء والفرس والكتابة!
يقول الرجل: أنا الموت! فتقول المرأة: وأنا الحياة!
يقول الرجل: أنا البرزخ والبعث والنشور!
فتقول المرأة وأنا الدار الآخرة! وهي الحيوان لو كانوا يعلمون! وتتنهد في خيلاء مغردة: لأن الدار الآخرة مؤنثة فانتظروا الرحمة فيها أمطارا غزيرة لا تكف عن الهطول الأبدي..! لأنها أنثى.. انتظروا الحنان الأعظم يومها! .. وتغمز بعينيها كأنها في مقام التفضل على الرجل: الويل لكم لو لم تكن الدار الآخرة مخضبة بحناء الأنوثة الناعمة الباهية!
وتستمر المغالبة اللغوية الطريفة الشهية..
فيقول الرجل! أنا الذِّكْر! وتقول المرأة: أنا الصلاة!
يقول الرجل: أنا الأذان!
فتقول المرأة: وأنا الإقامة!
يقول الرجل! أنا الخنصر والبنصر والإبهام الجامع!
فتقول المرأة: وأنا الوسطى وسبابة الشهادة والوحدانية!
يقول الرجل: أنا السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس!
تقول المرأة: وأنا الجمعة! الجمعة اليتيمة! خير أيام العزيز الغالب! يوم أمة حبيبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم! يوم الزيارة الإلهية في الجنة! يوم الكثبان من مسك وعنبر ولؤلؤ وياقوت!
يقول الرجل: أنا النجم والكوكب الدري والقمر:!
فتضحك المرأة وتقول: وأنا الشمس.. إذا طلعت لم يبد منهن كوكب!
يقول الرجل: أنا الجمع!
فتقول المرأة: وأنا المفردة! والمفردة إلى معنى وحدانية الله أقرب يا عزيزي!وتضحك.. فيرتبك الوجود لضحكتها الوردية!
وهكذا تستمر هذه المباراة اللا تنتهي إلى الأبد.. مؤكدة أن زمن وحدانية الرجل انتهى، وجاء زمن الأنوثة الغالب الحنون البهي الشهي..! في تجل من تجليات كلمة مولانا ابن عربي الخالدة: كل مكان لا يؤنث لا يعول عليه..!!