استيقظ حسنين "الجمال" من النوم عند الفجر و دلف إلى مرقد جمله ليجهزه لعمل يوم شاق فى نقل محصول القمح من الحقول إلى الأجران
لديهم مهمة ثقيلة اليوم فى غيط الحاج أمين مكاوى لنقل فدانين قمح إلى الجرن
ربت حسانين على ظهر الجمل الراقد أمامه لينظفه مما علق به ، قبل ن يضع عليه "العدة" و الحبال و "السلب" اللازم لمهام الربط و التحميل
بعد ان فرغ من وضع العدة و احكم ربطها إنحنى ليشد "عقال الجمل" ، فى نفس اللحظة وقعت عيناه على كوزين ذرة جافين فى أحد شقوق الزريبة
فتناولهم بحنان و دسهم فى فم الجمل الذى استقبل الهدية احسن استقبال و فى ثوانى كان قد ابتلعهم
ثم وقف حسانين وقال بصوت شبه مسموع :
"يا سلام على حنانك يا أمه.. حتى الجمل موش ناسياه.. ربنا يديلك على قد ني..."
و توقف فجأة و لم يكمل الكلمة "نيتك" و هو يضحك مستدركاً
: " يا سنة سوخة دا إحنا كنا مانلاقيش الهوا لو ربنا إداكى على قد نيتك يا امه"
و التفت حوله خوفاً من ان يكون أحد قد سمعه ، ثم سحب "عقال الجمل" فهب واقفاً و سحبه خارجاً من الدار حيث كان نور الصبح قد بدأ يبدد عتمة الليل
وصل حسانين لمكان تجمع زملاءه من "الجمالة" حيث قسموا انفسهم جملين يروحوا عند امين مكاوى و جمل واحد يروح لأم الخير و بقية الجمالة هيطلعوا على غيط حسان سماعين يكملوا شغل هناك
عند الظهيرة كانت "ست أبوها" أم حسانين قد تذكرت أمر كوزين الذرة و دخلت تبحث عنهما حيث و ضعتهما تمهيداً لتنفيذ إحدى العمليات القذرة المعتادة عليها
لم تكن "ست أبوها" قد أعدت الكوزين لجمل حسنين ابنها، و لكنها أعدتهما لأمر أخر
فجعت"ست ابوها" عندما لم تجد الذرة فى مكانه و قالت:
"استر يا رب"،
فى نفس اللحظة سمعت جلبة وصراخ خارج الدار فى الشارع
خرجت لتستطلع الأمر و هى تمنى نفسها بألا يكون قد وقع ما يدور بداخل عقلها الشرير
و لكنه هو بالضبط ما كانت تخشى منه
جمل حسنين وقع فى الغيط"
القرية كلها تجرى و النساء تصرخ "جمل حسنين بيموت فى الغيط"
سمعت ست أبوها الكلام فخرت مغشياً عليها
كانت المرأة العجوز قد جهزت الكوزين الذرة و غرقتهم بالسم تمهيدا لوضعهم لبقرة "سباعى الكلاف" انتقاما منه لخلاف نشب بينهم على أجرة عمل الجمل لديه فى أحد الأيام
و لكن حسنين لم يكن يدرى بخطة أمه القذرة فألقم جمله الذرة المسموم و هاهو الجمل يصارع الموت فى الحقل
فى اللحظات الأخيرة للجمل و هو يغرغر قرر أمين مكاوى صاحب الحقل إنقاذ ما يمكن إنقاذه و قام بذبح الجمل
تجمعت القرية كلها عند جمل حسانين المذبوح و هى تواسيه، فالجمل هو كل رأسماله فى الحياة ، و خسارته تعنى خسارة كل شىء
و حتى لحم الجمل - حال بيعه - فلن يجمع خمس قيمته الحقيقية
جاء جزاروا اللحم "الوقيع" لإصطياد الفريسة حيث ذُبحت
و بعد فصال و مناهدة و وجع دماغ استمر لساعتين لم يصلا إلى سعر مرضى
تقريبا كانوا عاوزين يشتروه بأقل من عشرة فى المية من قيمته حياً
و هنا وصل الحاج أحمد ، احد "كبارات القرية" و جزارها الوحيد ،و قال للجزارين متشكرين يا رجالة إحنا هنروح الجمل على البلد و هنقسمه علينا
يللا يا رجالة هاتو العربية الكارو بتاعة الواد سيلمان و حملوه عليها و روحوه
عند المساء كانت عملية سلخ الجمل و تشفيته و تقطيعه قد تمت
و كانت الخطة توزيع اللحم على بيوت البلد كلٌ حسب سعته و بسعر أكثر من نصف سعر اللحمة فى الظروف العادية،
فلان اتنين كيلو
و دار فلان تلاتة كيلو
و عيلة فلان خمسة كيلو
و فلان كيلو
و لم يستطع أحد الاعتراض على حكم الحاج أحمد سواء من حيث السعر أو الحصة الموزعة
و هكذا تم تقسيم لحم الجمل و كله يشيل مع حسانين فى الجمل
فى اليوم التالى كان حسنين قد أمسك فى يده تقريبا نصف ثمن الجمل المسموم و كان عليه أن يكمل النصف الباقى لكى يتمكن سريعا من اللحاق بالموسم قبل أن ينتهى ..
.........................
مقطع من رواية "حارس الغيط"