في الأسبوع الماضي، سنحت لي الفرصة الثمينة للقيام بزيارة لنيافة الأنبا بولا مطران طنطا وتوابعها، برفقة الزملاء الصحفيين، وذلك بدعوة من الصديق العزيز الدكتور أسامة حنا، عضو مجلس أمناء مؤسسة الفلك، لرعاية ذوي القدرات الخاصة من اصاب متلازمة داون، الزيارة جاءت في إطار حفل فني ترفيهي نظمته المؤسسة لتكريم الأبناء وأولياء أمورهم من المترددين والمقيمين فيها، ومازال أصوات مصطفي -الذي لازم الأنبا بولا أغلب وقت الحفل- وأحمد الذي ساهم في تقديم الحفل، وغيرهم في أذني حتي الآن، وشاركت في الحفل ايضًا كلية التربية النوعية بجامعة طنطا، وهنا انتهز الفرصة لأشكر عميد الكلية الدكتورة رانيا الإمام، علي مجهود ابناء الكلية ومشاركتهم لأولادنا من اصحاب متلازمة داون، ولكن ما لا يمكن أن يُوصف بالكلمات هو ما شعرت به من إعجاب وتقدير تجاه هذا الرجل المبجل، الذي يجسد معنى الإنسانية بأروع صورها حين يفتح ذراعيه فتجد كل الأولاد وهم يتجهون حوله لينالوا العناق الأبوي الرائع الذي يستحقونه ويستحقه.
الأنبا بولا: الأب الروحي والرمز البشري الفذ
من اللحظة التي وطأت فيها قدماي أرض مؤسسة الفلك، شعرت أنني أمام كيان إنساني فريد لا يتعلق الأمر فقط بالمؤسسة أو المرافق التي توفرها لذوي القدرات الخاصة، بل بكل ما هو مرتبط بفكر ورؤية نيافة الأنبا بولا الذي وضع نفسه في خدمة هذا القطاع المهم من المجتمع، إن قدرة الأنبا بولا على دمج العمل الروحي مع العمل الخيري الإنساني، واهتمامه الخاص بالأطفال ذوي متلازمة داون، يعكس صورة نادرة لقائد حكيم وملهم، فلا يمكن وصف الأنبا بولا إلا بكونه رجلًا من طراز نادر، فهو ليس فقط مطرانًا ذو مكانة دينية مرموقة، بل هو شخصية إنسانية استثنائية تفيض بحب وتفاني لا حدود لهما، في زياراته إلى مؤسسة الفلك، لا يكتفي بأن يكون راعيًا دينيًا، بل يتحول إلى ذلك الأب الحنون، الذي يعامل الأطفال بروح مليئة بالمحبة والعطاء، كان واضحًا من خلال تفاعلاته مع هؤلاء الأطفال وأسرهم أنه يعاملهم كأبناء له، بل كملائكة كما يلقبهم ويثبت لنا بالدليل القاطع فيسعى جاهدًا لأن يوفر لهم كل ما يحتاجونه من رعاية نفسية وفكرية.
الأنبا بولا: الأب الطيب الذي يعيش للآخرين
إن أكثر ما يميز شخصية الأنبا بولا هو تواضعه وحبه الكبير للبشر فبالرغم من المكانة الرفيعة التي يشغلها، إلا أنه يتعامل مع الجميع بتواضع عميق وكأنهم أبناءه لم أرَ في حياتي رجلًا بمثل هذه الروح التي تجمع بين البساطة والعظمة، وبين الحكمة والحنان عندما تجلس معه، تشعر أنك في حضرة معلم ذو خبرة وحكيم يملك من العلم ما يجعلك تشعر بأنه قد عاش طويلًا من أجل أن يكتسب هذا الفهم العميق للناس وهمومهم، ورغم أنه يتعامل مع فئة ذوي القدرات الخاصة، إلا أنه بالفعل يراهم من زاوية مختلفة تمامًا، لا تقتصر على كونهم أفرادًا يحتاجون إلى الرعاية فقط، بل هم بحسب رؤيته ملائكة يعيشون بيننا إنه يرى فيهم قدرة خاصة على منح الحب والسعادة، ويعتبر أنه من واجبه كإنسان وكقائد ديني أن يوفر لهم بيئة مثالية تشعرهم بأنهم جزء من المجتمع بشكل حقيقي.
مؤسسة الفلك: حلم الأنبا بولا الذي تحول إلى واقع
مؤسسة الفلك ليست مجرد مؤسسة خيرية، بل هي حلم نيافة الأنبا بولا الذي تم ترجمته إلى واقع ملموس عندما بدأ التفكير في تأسيس هذه المؤسسة، كان يعلم تمامًا ما يواجهه الأشخاص من ذوي القدرات الخاصة في المجتمع، خصوصًا أولئك الذين يعانون من متلازمة داون ومن هنا، قرر أن يكون لديه دور حقيقي في تحسين حياتهم، بدءًا من الرعاية اليومية حتى دعم الأمهات اللاتي يعانين في صمت، ولقد تطلب تأسيس هذه المؤسسة جهدًا مضنيًا وعملًا دؤوبًا، ويعود الفضل في إقامتها إلى إصرار الأنبا بولا على توفير أفضل رعاية ممكنة لهذه الفئة، وخلال رحتله لبناء هذه المؤسسة الرائعة العملاقة، زار الأنبا بولا العديد من المؤسسات في أوروبا، وعكف على دراسة تجاربها من أجل تطبيق أفضل المعايير في مؤسسته، ما جعل مؤسسة الفلك اليوم واحدة من أفضل الأماكن التي تهتم بهذا القطاع، والأهم من ذلك، أنها توفر خدماتها لجميع أبناء الوطن، مسلمين وأقباط على حد سواء، مما يعكس روح الوحدة والتعاون في خدمة الإنسانية التي شُرعت هذه المؤسسات من اجلها وتاصيلًا لفكرة أننا في مصرنا الغالية سبيكة واحد منهصرة في بعضنا البعض عصية علي الفصل نسيج وطني ليس له مثيل مصريين وفقط.
لم يكن للأنبا بولا الفضل في تأسيس مؤسسة الفلك فقط، بل هو الزعيم الحكيم الذي يقود فريقًا مدربًا على أعلى مستوى فالعمال والراهبات العاملون في المؤسسة تم تدريبهم لمدة عامين ونصف ليكونوا خدامًا حقيقيين للأطفال، وليس مجرد معلمين وكل هذا لم يكن ليحدث لولا رؤية الأنبا بولا التي لا تقتصر على رعاية الأطفال، بل تتعداها إلى تحويلهم إلى أفراد قادرين على المشاركة في المجتمع، فتعتبر العلاقة بين الأنبا بولا والعاملين في مؤسسة الفلك مثالًا حقيقيًا على القيادة الحقيقية فعندما تحدثت مع إحدى الراهبات التي تعمل في المؤسسة، ورفقتنا في جولة لنري الجمال في أبهي صوره داخل هذه المؤسسة، أكدت لنا أن العمل مع هؤلاء الأطفال هو بركة عظيمة في حياتها تعيش بها وتستمد قوتها منهم وتتقرب إلي الله بهم هذا النوع من الارتباط الذي ينشأ بين الأب والطفل هو ما يميز الأنبا بولا ويجعله شخصية وطنية وإنسانية تلامس القلوب تنشر المحبة في نفوس من حوله بلطف وود.
لقاء مع الأنبا بولا: لحظات لا تنسى
خلال حديث طويل استمر لأكثر من ساعة ونصف، منحني الأنبا بولا فرصة الاستماع إلى آراءه وفهم رؤيته للعديد من القضايا المجتمعية لم يكن حديثه مجرد كلمات، بل كان درسًا في التفاني والإخلاص والعطاء والتحليل العميق لكل الأمور إنه لا يكتفي بالكلام فقط، بل يعيش ما يقول ويتبحر فيه بكل جوارحه هذا الرجل الحكيم يرى في المجتمع كلّه مجالًا للعطاء، ولا يضع حدودًا لرغبته في تقديم أفضل ما يمكن من خدمات للآخرين، لقد شعرت بأنني أستمع إلى رجل يمتلك رؤية ثاقبة للأمور، ويمتلك قدرة غير عادية على التحليل والفهم وقد تميزت شخصيته بالحكمة، مما جعله حقًا أحد حكماء هذا الزمان لطالما كان الأنبا بولا في قلب المجتمع، وعندما يلتقي به الناس، يشعرون بأنهم في حضور رجل استثنائي يعرف كيف يحقق التوازن بين العمل الديني والعمل الخيري، ليس هذا فقط بل له رؤية في كل أمور الحياة إجتماعية وونفسية وسياسية وأخلاقية بالفعل رجل تشرُف وتتشرف بالحديث معه وتطلع دائمًا لأن تنهل من علمه وفكره وثقافته.
شكراً لـ الأنبا بولا
إن ما يعنيني في النهاية هو أن أرفع قبعة الاحترام لنيافة الأنبا بولا، هذا الرجل الذي جعل من مؤسسة الفلك أملًا جديدًا لآلاف الأسر لقد تعلمت الكثير من هذه الزيارة، ولم أكن أتوقع أن أجد في هذا الرجل كل تلك الصفات النبيلة التي جعلت منه شخصية وطنية وإنسانية بارزة شكرًا له من كل قلبي على كل ما يقدمه لمجتمعنا، وعلى رؤيته العميقة التي لا تهدف إلا إلى تقديم الخير للجميع أطال الله في عمره وجعلنا دائمًا على درب الخير والإحسان إن شاء الله.