ما إن أُمْسِك بيدي الريموت كنترول حتى تبدأ رحلة البحث الشاقة بين القنوات الفضائية ، خلال التجول بين القنوات المختلفة ، أزعجني العدد الكبير من تلك القنوات ، فقد باتت تشكل خطراً كبيراً ليس على الإقتصاد أو السينما والدراما فقط بل على الصحة والحياة الإجتماعية للأسر ، فبعد عام 2011 وفي ظل حالة الفوضى والانفلات الأمني، التي انعكست على الإعلام، وخلَّف فوضى إعلامية غير مسبوقة ، ومنذ العام 2014 وإنطلاق أقمار صناعية من خارج مصر غير خاضعة للقوانين المصرية أو الرقابة على المصنفات ، ظهرت مجموعة من القنوات الفضائية غير الرسمية ، تخصصت في سرقة الأفلام السينمائية الجديدة من دور العرض ، وعرضها حتى قبل القنوات المشفَّرة ، الأمر لم يقتصر على الأفلام الجديدة فقط ، بل وأفلام الأبيض والأسود ، التي تتم سرقتها من قنوات رسمية عبر تسجيلها من التلفزيون.
هذه القنوات تحولت أيضا لمكان للتلوث الأخلاقي والسمعي والبصري، ومن يتأمل الأضرار والأخطار التي يجنيها من يشاهد ما يبثه هؤلاء ، يجدها كثيرة لا تحصى ، أضراراً إجتماعية ، وأضراراً أخلاقية ، وأضرارً فكرية ونفسية ، فكثير من القنوات التي تبث برامج دينية ، نجد محتوى تلك البرامج يعمل على خلخلة العقيدة والتشكيك ، أو يدعو إلى التعصب وخلق جيل من الإرهابيين ، ليس بين الشباب فقط بل الكبار أيضا ، حوَّلت العقيدة إلى دينٍ ظاهري وإبتعدوا عن العمق في التناول ، وهناك أيضا برامج لجمع التبرعات ، كثرة تلك البرامج والتبرُّع عبر أرقام الهواتف ، يدعوا للرِيبة في أنها مجرد جمعيات شكليَّة هدفها جمع الأموال ، بل وبرامج تستغل أصحاب بعض الأمراض لإستجداء المُشَاهد فتجد نفس الحلقة التي تذاع منذ شهور تذاع على عدد من القنوات .
الغريب أن أبطال تلك البرامج اليوم كان بعضهم بالأمس يظهر كطبيب يروج لمستحضرات ووصفات طبية ، وما أثار دهشتي ، هو هذا العدد الكبير من الممثلين من الصف الثاني ، الذين بدأوا في الظهور للترويج لتلك المستحضرات ، والإدعاء بأنهم جربوها وأثبتت فاعليتها ، وظنِّي هنا ليس إثم في أنهم لم يقدموها مجاناً لإفادة المُشَاهد ، بل تقاضوا من الأجر ما إستدعى تقديمهم لمنتج لو كان فعِّالاً لأُغْلِقَت العيادات وتوقف الأطباء عن العمل ، ولا أدري أين نقابتهم مما يقدمونه على تلك القنوات من تضليل ، فتلك الأدوية لا يتم اختبارها من هيئة الرقابة والبحوث الدوائية ويتم تصنيعها خارج منظومة التصنيع الشرعية.
لن أتحدث عن الكم الهائل والوقت الطويل من الإعلانات التي تدر أموالاً على ملاك تلك القنوات بعيداً عن الإقتصاد الرسمي للدولة ، بل سأتحدث عن الأعمال السينمائية والدرامية التي تتم سرقتها وبثّها بكل فجور ، مما تسبب في خسائر كبيرة للمنتجين ، بل وللقنوات التابعة لهيئة الإستثمار والتى تعمل بشكل قانونى وتدفع أجوراً ورواتباً وإيجارات وضرائب ، بينما قنوات السَبُّوبة تلك تعمل من خارج مدينة الإنتاج الإعلامى بالمخالفة للقانون ، وتعمل بدون تصريح أو ترخيص من الشركات مالكة الحقوق المادية والأدبية ، ويُحَصِّل ملاكها الملايين دون دفع ضرائب أو إيجار إستديو أو حتى عمالة ، فهي تدار من شقة ويتم جمع الأفلام والمسلسلات على هارد يباع إلى كل القنوات فتجد المعروض هنا معروضاً هناك.
تلك القنوات التي لا رقيب لها ولا حسيب ، تعرض أيضا كليبات لن أتجاوز حين أقول أنها إباحية ، والغريب بل الأغرب أننا أصْبَحنا وأضْحَينا وأمْسَينا نرى اعلانات الدجل والشعوذة ، فهذة الشيخة المغربية والشيخ المغربي وفلان الظهري والعصري لرد المطلقة وجلب الحبيب في 3 ساعات ، وبعد أن كان الدجال يخاف إفتضاح أمره ، أصبح يُعلن عن نفسه بكل جرأة إن لم تكن وقاحَة ، ولدينا كثير من البسطاء ينساقوا خلف تلك الدعاية للأسف ، بينما في العام 2016 كان هناك قناة وحيدة تسمى عيون مصر ، ظهرت لفترة قصيرة كانت تبث أغاني وطنية فقط ، وكانت من أولى القنوات التي بثَّت مشاهد حيَّة للإنقلاب العسكري في تركيا في ذاك الوقت ، ثم توقفت لرفض مالكها تلك الإعلانات.
كان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد أقر بإنشاء الجهاز المصرى للملكية الفكرية، بعد أن تلاحظ تعدد الجهات الإدارية المسئولية عن إدارة الملكية الفكرية ، وتبعتها للعديد من الوزارات والجهات، وهو ما ترتب عليه ضعفًا فى سبل المعالجة وتشتيتًا لجهود الدولة ، ورغم كل الجهود التي تُبْذَل لاتزال تَنْضَح تلك القنوات بكل السلبيات الضارَّة ، وإلى الآن لم نجد حملة جادَّة سواء من وزارة الداخلية ، أو الجهات العديدة المختصة للقضاء عليها ، اللهم بين الحين والآخر يتم الكشف عن مكان أحدها وإغلاقه ، فيعاد بثَّها من مكان آخر ، وأرى أن أهم الحلول هو بروتوكول تعاون بين الإدارة المصرية والدول التي تؤجر إشارات البثّْ لتلك القنوات ، وأن تُعامل معاملة القطاع الإستثماري فتكون تحت طائلة القانون ، ورقابة الأجهزة المصرية ، ولا تترك لجامعي الأموال دون رقيب أو حسيب.