رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
المشرف العام على التحرير
محمود الشاذلى
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الدكتور محمد سيد أحمد يكتب: كيف نكافح الإرهاب داخل مجتمعاتنا العربية ؟!

لدي قناعة بأن جماعات الإسلام السياسي في وطننا العربي صناعة غير وطنية، قامت القوى الاستعمارية القديمة بصناعتها لتكون أداة طيعة في يدها لتنفيذ مخططاتها بعد رحيلها، ثم جاءت القوى الاستعمارية الجديدة وورثتها وطورتها ومكنتها من تدمير مجتمعاتنا من الداخل عبر الإرهاب أحيانا وعبر الصراع على السلطة أحيانا أخرى، ومؤخراً أوصلتها لمقاعد الحكم رغم وصمها من القوى الاستعمارية ذاتها بأنها إرهابية، وأعتقد أن الدولة وسياساتها الاجتماعية والاقتصادية تجاه الفقراء والكادحين داخل مجتمعاتنا العربية وطريقة تعاملها مع الجماعات الإرهابية تلعب دوراً رئيسياً إما في مواجهة ومكافحة الإرهاب، وإما مساعدته على الشيوع والانتشار داخل المجتمع، هذه قاعدة يمكن تعميمها على كل المجتمعات، وإذا ما أخذنا نموذج الدولة المصرية وتعاطيها مع جماعة الإخوان الإرهابية منذ نشأتها وحتى الآن يمكننا أن نثبت صدق فرضيتنا التي ننطلق منها في هذا المقال وبعد ذلك يمكن تعميمها على باقي المجتمعات العربية. 
 
فالجماعة نشأت في عام 1928 على يد المدعو "حسن البنا" بدعم من المخابرات البريطانية في ظل وجود الدولة المصرية تحت الاحتلال البريطاني، وسلطة ملك لا حول له ولا قوة فيما يتعلق بعملية صنع واتخاذ القرار، وقررت الجماعة منذ اليوم الأول السير في عدة اتجاهات الأول دعوة دينية، والثاني تقديم خدمات اجتماعية واقتصادية للفقراء والكادحين، وما أكثرهم في ظل مجتمع كان يطلق عليه مجتمع النصف في المائة، والثالث سياسي يسعى للوصول للسلطة، والرابع ميليشيا عسكرية إرهابية يمكن اللجوء إليها عند الحاجة لتهديد الخصوم، وفى ظل غياب دور الدولة في احتضان الفقراء والكادحين تمكنت الجماعة من التغلغل داخل بنية المجتمع وتكوين رصيد اجتماعي مؤيد لها مكنها من الوجود على الساحة المجتمعية بشكل عام والسياسية بشكل خاص.
 
وجاءت ثورة يوليو 1952 وتمكن جمال عبد الناصر ورفاقه من السيطرة على مقاليد الحكم، وبدأ الصدام مبكراً بين الدولة الجديدة والجماعة الإرهابية، وحاولت الدولة إدماج الجماعة داخل المجتمع لكنها رفضت، فأخذت الدولة على عاتقها التصدي لها ومكافحة إرهابها فشنت على قادتها حملة اعتقالات كبرى كرد فعل على محاولاتهم اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، لكن الدولة لم تكتف بالحل الأمني فقط، بل أخذت على عاتقها عزل الرصيد الاجتماعي المتعاطف مع الإخوان الإرهابيين من خلال رعاية الدولة للفقراء والكادحين، التي كانت الجماعة تقدم لهم المساعدات الاجتماعية والاقتصادية لجذبهم إليها ولإظهار ضعف دور الدولة وتخليها عن مسئوليتها تجاه مواطنيها، وبذلك تمكنت الدولة من محاصرة الجماعة الإرهابية، وخلال هذه الفترة ندرت الأحداث الإرهابية، وتم السيطرة على الجماعة التي اضطر أعضائها إلى الهجرة خارج البلاد وانحصرت أعداد المؤيدين لها بفعل سياسات الدولة الحاضنة للفقراء والكادحين.
 
وأصبح السادات في نهاية عام 1970 رئيساً ولم يكن لديه قبولاً شعبياً، وقرر في عام 1971 التصدي لخصومه السياسيين من الناصريين والشيوعيين واستخدم فزاعة الجماعة الإرهابية فعقد صفقة مشبوهة مع الجماعة، فأفرج عن قياداتها وأعضائها لمواجهة خصومه السياسيين، وفى نفس الوقت بدأت سياسة الدولة تعود مرة أخرى للتخلي عن مسئوليتها في رعاية مواطنيها ودعمهم اجتماعياً واقتصادياً بإعلان سياسة الانفتاح الاقتصادي، وفى الوقت الذي عادت فيه الجماعة للعمل بقوة داخل المجتمع وتحت سمع وبصر وتأييد الدولة كان المواطن المصري الفقير والكادح يئن من سياسات الدولة المتخلية عن رعايته، وهنا بدأ المواطن في البحث عن بديل، وكانت الجماعة الإرهابية جاهزة للقيام بدور الحاضن المقدم للخدمات، وبذلك عاد للجماعة رصيدها الاجتماعي الذي كانت قد نزعته عنها الدولة في الخمسينيات والستينيات، ولم تكتف الجماعة بذلك بل فرخت العديد من الجماعات الإرهابية الصغيرة التي قامت في النهاية بقتل السادات نفسه، وخلال هذه المرحلة شهد المجتمع المصري نشاطاً كبيراً للجماعات والتنظيمات المسلحة التي قامت بدورها بالعديد من العمليات الإرهابية.
 
ووصل مبارك في نهاية عام 1981 للحكم وقرر منذ اليوم الأول السير على نهج سلفه، وظلت سياسات الدولة كما هي تجاه الجماعات والتنظيمات الإرهابية، فهناك صفقات مستمرة على طريقة المرحوم أنور السادات مع الجماعات الإرهابية بواسطة الأجهزة الأمنية خاصة الجماعة الأم، كما اعترف وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي أثناء محاكمته، واستمرت سياسات التخلي عن المواطن المصري الذي ظل يبحث عن بديل يشبع من خلاله احتياجاته الأساسية، وتمددت أدوار الجماعة الأم في تقديم المساعدات الاجتماعية والاقتصادية للفقراء والكادحين، ومن خلال هذا الدور اكتسبت أرضية كبيرة ورصيداً اجتماعياً ضخماً مؤيداً لها، وحين قامت انتفاضة 25 يناير 2011 انتهزت الجماعة الفرصة وانقضت على السلطة السياسية ونجحت في الوصول للحكم بواسطة المتعاطفين معها من الفقراء والكادحين الكارهين للنظام السياسي القديم الذي كان ممثلا للدولة وبدعم وتأييد من القوى الاستعمارية الجديدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية  الراعي الرسمي للإرهاب في العالم. 
 
ومنذ 30 يونيو 2013 تم الإطاحة بالجماعة الإرهابية من سدة الحكم وإيداع قادتها في السجون، وعدم السماح بأي نشاط معلن أو سرى للجماعة وبذلك تكون الدولة قد خطت الخطوة الأولى في طريق المواجهة الصحيحة، لكن هذه الخطوة غير كافية لأنها ترتبط بخطوة أخرى وهى تعديل السياسات الاجتماعية والاقتصادية لتصبح الدولة حاضنة للفقراء والكادحين، فما زال المواطن حتى الآن يبحث عن بديل يرعاه بدلاً من الدولة، والبديل الجاهز تاريخياً والذي يقف متربصاً بالدولة هو الجماعة الإرهابية، لذلك على الدولة أن تتحرك فوراً لفصل وعزل الجماعة الإرهابية عن رصيدها الاجتماعي، عبر مجموعة من الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية المنحازة للفقراء والكادحين، هذا هو الحل الوحيد ليشكل هؤلاء الفقراء رصيداً اجتماعياً مؤيداً للدولة ومعادياً للإرهاب، فهذه هي الطريقة المثلى للمواجهة. 
 
وأمامنا الآن نموذج أخر هو النموذج السوري الذي نجح في مواجهة الإرهاب على مدار عقداً ونيف وفي النهاية تم حصار الشعب وتجويعه بواسطة القوى الاستعمارية وفشلت الدولة في حمايته، فعندما جاءت لحظة الانهيار وصلت الجماعة الإرهابية المدعومة بواسطة القوى الاستعمارية الجديدة لمقاعد السلطة بسهولة ويسر ودون أي مقاومة، ثم بدأت عملية تدمير ممنهجة للجيش، ويتم الآن القتل على الهوية بواسطة الجماعات الإرهابية، حيث يتم تصفية وتطهير عرقي للعلويين في الساحل السوري، ويتم التمهيد لتقسيم وتفتيت سورية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
 
بقلم/ د. محمد سيد احمد