نزل القرآن عربيا، كما في قوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الزمر: 28]، وغيرها من الآيات؛ لأن لفظة (عرب) معناها في اللغة عَبَر أي وصل، ومنه العَربة وهي وسيله المواصلات، والإعراب الإفصاح عما في نفسك، واللسان العربي هو الأوضح في الإعراب عن مكنونات المعاني، وهو الأقدر على التعبير عنها، فالعربية هي: الإبانة والإفصاح والإيضاح.
فالقرآن عربي وواضح في مصدره وأنه من عند الله وحده، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (النساء)، وواضح في نفسه، وموضح ومبين لغيره، قال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ }[آل عمران: 138]، وقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}[المائدة: 15]، وأيضاً واضح في إعجازه وتشريعاته وأحكامه, واضح في أهدافه ومقاصده وغاياته، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: 89]، ودِينه دِين الأميين، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}[الجمعة: 2]، فهو من الوضوح والبيان واليسر والسهولة بحيث لا يخفى معناه على الرجل الأمي البسيط العامي.
ولما صحب النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وقام به تفطرت قدماه تأثر صلى الله عليه وسلم بالقرآن واتصف بوضوحه وبيانه حتى قال القرآن عنه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}[يس: 69]، ومن صدقه ووضوحه صلى الله عليه وسلم لم يخف شيء منه عن الناس وعرفوا أخلاقه وصفاته أتم المعرفة، حتى قال القرآن عن خصومه: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}[البقرة: 146].
وكذلك كل من صحب القرآن انصبغ بصبغته وتخلَّق بأخلاقه، فترى صاحب القرآن عربي في سلوكه وواضح في أخلاقه ومعاملاته، قال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ }[العنكبوت: 49]، فالمؤمن واضح لا يعرف اللَّف ولا الدوران ولا الروغان, ولا النفاق ولا الخداع (اللي في قلبه على لسانه)، ولا يُضمر الشر لأحد، ويُحب الخير لكل الناس، كما قال ابن عباس حبر الأمة: ما نزل غيث بأرض إلا حمدت الله وسررت بذلك، وليس لي فيها شاة ولا بعير، ولا عرفت آية من كتاب الله إلا وددت أن الناس يعرفون منها ما أعرف.
أما المنافق المخادع فهو أبعد الناس عن القرآن وأخلاقه وتعاليمه، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "شر
الناس ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه"، وهؤلاء لا يزدادون إلا بعداً عن هدايات القرآن ورحمته، وهم الذين قال في وصفهم رب العالمين: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ}[الحج: 72]،
وآيات الله تعالى جاءت عربية واضحات بينات؛ لتجمع الناس، وتؤلف القلوب، ولا تختلف ولا تتنازع، ولكن أصر المعاندون ممن آتاهم الله الكتاب والعلم على الاختلاف، ونبذ كتاب الله وراء ظهورهم، كما قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}[البينة: 4] الواضحة.