جميع الخلق عبيد لله تعالى: الإنسان والجان والطير والحيوان والجماد والأرض والسموات، المؤمن والكافر والطائع والعاصي، الكل عبيد لله تحت قهره وسلطانه وجبروته، ولا يقوى أحد على دفع ما قدره الله تعالى من مرض أو حياة أو موت أو فرح أو حزن أو بلاء.
أما العباد فهم الذين عبدوا الله تعالى حبا وشوقا وطوعاً وخوفاً ورجاء، فأقبلوا على شرعه وامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه واشتاقوا إليه واحتسبوا الأجر عنده، وخافوا من عقابه، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ...}[الفرقان: 63 - 65]، وهذه الآيات سنتعرض لشرحها في المقال القادم بإذن الله، وهؤلاء الذين قاموا بحق العبادة لله فكرامتهم ومكانتهم عند الله كما يلي:
ـ أن النهاية والعاقبة لعباد الله فهم الذين يصلحون لوراثة الأرض وعمارتها، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء: 105].
ـ أن العباد في حفظ الله عز وجل ورعايته، كما قال تعالى للشيطان الرجيم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}[الإسراء: 65].
ـ أن العباد قد غفر الله ذنوبهم وستر عيوبهم وعفا عنهم، كما قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ...}[الحجر: 49].
ـ أن عباد الله لهم البشرى والهداية، قال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ(17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الزمر: 17، 18]
ـ أن الله عز وجل شرفهم بنسبتهم إليه تعالى، كما قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا...}[الفرقان: 63]، كما شرف رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه النسبة فقال تعالى عن رحلة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}[الإسراء:1]، فالعبودية هي علة الارتقاء، فلما أخلص الرسول العبودية لله نال هذا القرب من ربه في رحلة المعراج.
ـ إذا شرف الله عباده بهذه المناقب وثواب الدنيا والآخرة فإن دخول الداخل في زمرتهم شرف وانتساب المنتسب إليهم كرامة كما قال الله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29) وَادْخُلِي جَنَّتِي}[الفجر: 27 - 30]، أي ادخلي في جملة عبادي الصالحين الذين قال في جزائهم رب العالمين: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".
هذه هي العبادة التي ما خلقنا الله إلا من أجلها، والتي هي جنة في الدنيا قبل جنة الآخرة، كما في الحديث: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة"، أما مَن غفل عن هذه المَهمة، وصار عبدا لهواه وشهواته وصار من جملة العبيد لا العباد، فهو التعيس الشقي، كما قال صلى الله عليه وسلم -: "تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة"، وفي الحديث: "ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له".