رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
المشرف العام على التحرير
محمود الشاذلى
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

النمر المتهم بافتراس ذراع عامل السيرك يخرج عن صمته : جردوني من حقي في الحياة فحانت لحظة الانتقام

 

في ركن مظلم من أحد أقفاص السيرك المهجورة، لا زال صدى الزئير الأخير يتردد، يحمل في نبرته وجعًا لا يُرى في الصور. هناك، وسط القفص الحديدي الصدئ، جلس النمر المتهم بافتراس ذراع عامل السيرك، يرمق المكان بعينين تائهتين، كأنما يبحث بين الذكريات عن فتات كرامة أو لحظة صفاء.

سألناه: متى بدأت قصتك مع هذا السيرك؟
قال بصوت خافت يشبه أنين الغابات البعيدة:
"كنت شبلًا صغيرًا، لم أفتح عيني بعد، حين انتزعوني من حضن أمي. لم أعرف الغابة يومًا، ولدت في الأسر، وترعرعت على صوت السياط. علّمتني الحياة هنا أن الركوع نجاة، والطاعة ضرورة، أما الكرامة... فهي رفاهية لا مكان لها في السيرك."

وكيف كانت تسير حياتك ؟
كانوا يصفقون لي وأنا أقفز في الحلقات المشتعلة، ولم يرَ أحد الحروق في داخلي، الطعام شحيح، والنوم قلق، والصراخ لا ينتهي، كل ما عرفته... أن تُنفّذ، أو تُعاقب، جمهور يضحك، ومدرب يصرخ، وأنت بينهما مجرد أداة."

عن يوم الواقعة، سألناه: لماذا الآن؟ ولماذا محمد تحديدًا؟
"كنت على وشك الانهيار، جسدي بدأ يأكل نفسه، وعقلي يفقد توازنه، ثم دخل محمد، لا أعرفه، غريب عن المكان، تفوح منه رائحة لم أعتدها، بدا كأنه فريسة... أو كأنه نهاية لكل هذا العذاب، لم أرَ فيه إنسانًا، بل وجبة تأخرت كثيرًا."

ولماذا لم تهاجم أنوسة كوتة؟
"هي الوحيدة التي لم تُوجّه إليّ السياط. لم تكن رؤوفة تمامًا، لكنها كانت الأقل قسوة. مدت يدها أحيانًا بلقمة، أو بكلمة. ربما رأيت فيها ظل أمي، أو وهمًا عن حياة لم أعشها. الروح تتعلق أحيانًا بالقليل حين يُحرمها الجميع من الكثير."

هل كنتَ تتعرض للتعذيب؟
"كثيرًا. كانوا يجلدونني كلما نسيت حركة، أو أُخطئت في قفزة. إذا مرضت، أُحبست، وإن ضعفت، أُهمِلت. ظنوا أن النمر بلا مشاعر، لكنه يحزن، يتألم، ويجنّ من فرط القهر. كانوا ينتظرون لحظة انهياري، وها أنا منحتهم ما أرادوا... فقط لأُتهم بالوحشية!"

وسألناه عن مصيره بعد الحادث...
"وُضعت في قفص لا يدخله النور. لم يُسمح لي بالطعام لأيام، وكأن الجوع هو الجريمة! لا جمهور، لا تدريب، لا حتى صيحاتهم الكاذبة... فقط موت بطيء في صمت لا يُطاق. لا أعلم إن كنت سأُقتل، أم أُترك هنا أتعفن تدريجيًا... لكن النهاية، أيا كانت، قريبة."

سألناه أخيرًا: لو عاد بك الزمن، هل كنت ستهاجم محمد؟
تنهّد النمر، ثم قال بنبرة تشبه سقوط الأمطار على أرض قاحلة:
"لو كانوا سمعوا أنيني قبل أن أصرخ بأنيابي... ما كنت فعلت. لكن لا أحد يسمع النمر حين يبكي، فقط حين يزأر. أنا لم آكل ذراع محمد... أنا أكلت عمري المهدور، وقهري المتراكم، وصمتي الطويل."

 

في نهاية اللقاء، لم نغادر القفص ونحن نحمل في ذاكرتنا صورة وحش، بل خرجنا من هناك ونحن نحمل وجع كائن حُرم من فطرته، وسُجن في دور لم يطلبه. وبينما لا يمكن تبرير العنف، يبقى السؤال معلقًا:
من هو الوحش الحقيقي؟ النمر... أم من جعله عرضًا يوميًّا للعذاب؟