قال الله عز وجل عن استخلاف الإنسان في الأرض: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: 30]، أي الإنسان الذي يقوم بحكم الله في الأرض وعمارتها بالبنيان والإيمان.
والمؤهلات التي تؤهل الإنسان ليكون خليفة الله في الأرض حقاً، تقوم على ركيزتين أساسيتين:
الأولى: العلم ثم العلم ثم العلم النافع في كل المجالات والتخصصات النافعة، لأن القرآن قد أعلى من شأن العلم حينما نزلت أول آية في القرآن تحث على التعلم والقراءة، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق: 1]، وقد حث القرآن على التزود من العلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه: 114]، فالعلم نور وهو ميراث النبوة، وبه يتمكن خليفة الله من النفع العام للناس ودفع الأذى والضرر عنهم، أما الجهل فلا يليق بالجاهل أن يكون خليفة الله.
الثانية: التعمير الحسي والمعنوي للأرض، كما قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}[هود: 61]، فخليفة الله هو الحاكم الذي يعمر أرض الله، ويبني ويشيد وينشئ المباني والمزارع والمدارس والمصانع والمستشفيات والجامعات والموانئ والمطارات والسدود والقناطر، ثم يحكم بين الناس بالحق والعدل لا بالهوى، كما قال الله عز وجل: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى}[ص: 26].
وخليفة الله هو الأستاذ والمُعلم الذي يبني العقول ويُنميها؛ لتتحمل مسؤولية الاستخلاف في الأرض.
وخليفة الله هو الطبيب الذي يُعَمِّر الأبدان بالصحة والعافية، ويعالج الأمراض والأوجاع.
وخليفة الله هو الخطيب والإمام والداعية الذي يعمر القلوب بالإيمانيات والروحانيات، ويحيي في القلوب مراقبة الله تعالى.
وخليفة الله هو الوالد الذي يقوم بتربية أبنائه وبناته تربية حسنة على الأخلاق الطيبة والآداب الراقية.
وخليفة الله هو الوالدة والمربية التي تقوم بواجباتها في بيتها وفي أسرتها، وتعمر بيتها بالسكن والمودة والرحمة.
والخلاصة أن خليفة الله هو الراعي الذي يقوم بحق الله تجاه نفسه وتجاه رعيته.
أما عدو الله فهو الذي يقتل الإنسان ويخرب العمران ويدمر المنشآت والبنيان أو يخرب العقول بالأفكار المتطرفة والهدامة، أو يسعى لترويج المخدرات والمسكرات، أو يعمل على نشر الفواحش والمنكرات، وفي وعيدهم يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}[النور: 19].
وأخيراً الصراع باق بين خليفة الله وعدو الله، حتى تَعَجَّبت الملائكة من إيجاد خليفة لله أصلاً وقالوا لربهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: 30]، حكمة الله تعالى من إيجاد هذا الخليفة، والتي اقضت وجود الجنة والنار، ووجود أهل الجنة وأهل النار ووجود أهل الحق وأهل الباطل؛ ليظهر بهذا الاستخلاف المصلحين من المفسدين، ويصطفي من هذ الصراع المؤمنين والشهداء، كما قال الله تعالى عن معركة أُحد: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}[آل عمران: 140]، وأيضاً يفتح الله عز وجل الباب للتائبين العائدين إليه، وإلا لكان اسمه تعالى التواب الغفور العفو مجرد أسماء لا حقيقة لها، معاذ الله.