في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه القضايا برزت واقعة مؤلمة تُعد جريمة مكتملة الأركان ليس فقط من الناحية القانونية بل والأخلاقية والإنسانية والإجتماعية أيضًا كل تفصيلة فيها تكشف عن خلل عميق في منظومة القيم التي يُفترض أن تحمي الأفراد خاصةً الأطفال من الانتهاكات واقعة صادمة هزّت المجتمع المصري حين تعرض الطفل البطل البالغ من العمر خمس سنوات لاعتداء جنسي متكرر داخل مدرسة خاصة للغات بمحافظة البحيرة المتهم المذنب الغير برئ الذي لا يستحق لقب إنسان ص. ك. ج. ا البالغ من العمر 79 عامًا، كان يعمل مراقبًا ماليًا في المدرسة، وقد أدين بجناية هتك العرض بالقوة تحت التهديد وحُكم عليه بالسجن المؤبد في أولى جلسات محاكمته بمحكمة جنايات دمنهور وهو أقل مما كان يطمح ويطمع كل من تابع هذه القضية فالجميع طالب بالإعدام.
ودعوني أقول أن كل حركة نحو تنفيذ الواقعة تُري دليل دامغ على موت الضمائر وخراب الذمم نعم منذ اللحظة الأولى كانت كل خطوة نحو تنفيذ هذه الجريمة تشير إلى تآكل الضمائر وغياب الرقابة تواطؤ وصمت ممن كان يجب عليهم الوقوف حائلًا دون وقوعها ليكشف لنا عن خلل في البنية الأخلاقية للمجتمع فأين كانت القلوب التي من المفترض أن تنبض بالرحمة؟ وأين كانت العقول التي يُفترض أن تميز بين الصواب والخطأ؟ فبكل أسف وأسي وصدمة كشفت التحقيقات عن تستر من بعض العاملات السيدات في المدرسة حيث أشارت والدة الطفل إلى أن إحدى العاملات كانت على علم بالواقعة وتلقت مبلغًا ماليًا للتكتم عليها وأن الطفل أخبر مدرسته ومديرة المدرسة ولم يحركوا ساكنًا سوي مطالبة الطفل بالسكوت والصمت وتعزيزه إذا تحدث أحيانًا هذا التواطؤ الصامت والتستر الفاضح يسلط الضوء على خلل أخلاقي عميق داخل بعض المؤسسات التعليمية بل وما يجعلني لا أكاد أتمالك نفسي من الغضب وأنا أكتب تلك السيدة - الله أسأل ان ينتقم منها- التي كانت تصطحب الطفل الضحية لهذا المجرم عديم الضمير بل وما زادني غضب يقيني من التحقيقات بمعرفة أكثر من مسؤولة داخل المدرسة وتسترهم علي الواقعة ليصبحوا مشاركين في العار والقهر والظلم فأن يُجبر طفل على السير في طريق الأذى الجسدي والنفسي دون حماية هو مؤشر خطير على فقدان الثقة في المؤسسات التعليمية سواء كانت خاصة أو عامة هذه الواقعة تُحتم علينا إعادة النظر في آليات الرقابة والتوجيه وعلي شروط التواجد في داخل المدارس وضمان بيئة آمنة تحمي الأطفال من أي انتهاك وتجعلنا نصرخ من جديد أن من يقومون علي تربية أولادنا وتعليمهم مازالوا هم أنفسهم في حاجة إلي تربية وتوعية وإيقاظ ضمائر أعتقد أنها قد ماتت بكل أسف وكل من شارك في هذه الجريمة يجب أن يُحاسب حسابًا عسيرًا فالمسؤولية لا تقع على فرد واحد بل على كل من شارك أو سكت أو تجاهل هذه المصيبة مهما كانت حجته وتبريره والمحاسبة يجب أن تكون شاملة تطال كل من تواطأ أو تقاعس عن أداء دوره في حماية الطفل فلا مجال للتهاون عندما يتعلق الأمر بكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية في الحياة دون انتهاك أبسط حقوقه.
وهنا لابد من رسالة أيضًا لكل من حاول تحويل القضية إلى صراع طائفي أو ديني عليه أن يخرس الآن وعلي الفور فمحاولات البعض لإضفاء طابع طائفي على القضية ما هي إلا محاولات بائسة لصرف الأنظار عن الجريمة الحقيقية العدالة لا تعرف دينًا أو طائفة بل تنحاز للحق والإنصاف والعدل والحق يجب أن نرفض بشدة أي محاولة لاستغلال هذه الواقعة لتأجيج الفتن ونتذكر أن الضحية هو إنسان قبل أي شيء آخر، وبكل أمانة أري ان كل تفصيلة في هذه القضية الغير إنسانية تحتاج إلى مراجعة دقيقة لا يجب أن نغفل عن أي تفصيلة فيها كل معلومة كل شهادة كل إجراء يجب أن يُدرس بعناية لضمان تحقيق العدالة ومنع تكرار مثل هذه الجرائم المراجعة الدقيقة هي السبيل الوحيد لضمان عدم تكرار الأخطاء.
ومن خلال هذا المقال أريد ان أشير لشجاعة أمّ لا تُقهر فوالدة ياسين واجت المجتمع وتنتصر للحق ففي مواجهة مجتمع قد يُثني الكثيرين عن المطالبة بالعدالة لكن تجلت شجاعة والدة الطفل ياسين رغم الضغوط الاجتماعية والنفسية ورفضت السكوت عن الجريمة التي تعرض لها ابنها داخل أسوار المدرسة تحملت نظرات الشك واللوم وواجهت محاولات التستر والتشكيك مُصرة على كشف الحقيقة وتحقيق العدالة بفضل إصرارها تم تقديم المتهم للعدالة مما يُعد درسًا في الشجاعة والإصرار لكل من يواجه الظلم فتحية من القلب والعقل والضمير معًا للأم الشابة التي تحملت كل هذه الضغوط وواجهت المجتمع وانتصرت للحق
وفي خضم هذه القضية الصعبة وجب عليّ أن أذكر فأشكر أصحاب المهنة السامية حاملي الأقلام النظيفة وأصحاب اليد الشريفة أسود الصحافة وستظل مهنة الصحافة ضمير الأمة وعينها الساهرة على الحق ففي زمن تتعرض فيه الصحافة لهجمات وانتقادات أثبتت تغطية قضية الطفل ياسين أهمية الإعلام في كشف الحقائق والدفاع عن المظلومين من خلال تحقيقات دقيقة وتغطيات مستمرة سلطت الصحافة الضوء على تفاصيل القضية مما ساهم في تحريك الرأي العام ودفع الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة وتُعد هذه القضية مثالًا حيًا على دور الصحافة كسلطة رابعة تحمل على عاتقها مسؤولية نقل الحقيقة والدفاع عن حقوق المواطنين خاصة الأطفال الذين لا صوت لهم وستظل أبد الدهر الصحافة هي صوت الحق المسموع ضد الظلم وسيف يحارب من أجل نصرة الحق ورفع الظلم عن المظلوم بعيدًا عن هوس التريند والبحث عن المشاهدات فالانسانية أهم من الإنفراد واظهار الحقيقة ومساندتها هو أسمي ما يسعي إليه الصحفي المهني صاحب الضمير وعاش نضال رفقاء مهنة صاحبة الجلال.
عزيزي القارئ الكريم من جديد أذكركم نحن في زمن "الردة الأخلاقية" وطالما نادينا علينا مواجهتها قبل فوات الآوان هذه الواقعة ليست معزولة بل هي جزء من ظاهرة أوسع تُعرف بـ"الردة الأخلاقية" تآكل القيم ضعف الوازع الديني والأخلاقي وفقد الأمل والشغف في حياة أفضل وتراجع دور المؤسسات التربوية كلها عوامل ساهمت في وصولنا إلى هذه الحالة لكن الأمل لا يزال قائمًا إذا ما تضافرت الجهود لإعادة بناء منظومة القيم وتعزيز دور الأسرة والمدرسة والمجتمع في تربية النشء على المبادئ السليمة وهذه الجريمة يجب أن تكون جرس إنذار لنا جميعًا علينا أن نتحرك لا بالكلمات فقط فزمن الكلام قد إنتهي بل التحرك يكون بالأفعال لإعادة بناء مجتمع يحترم الإنسان ويصون كرامته ويضمن له حياة آمنة وكريمة ويضمن حريته وقبلها حرية الآخرين.