رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
المشرف العام على التحرير
محمود الشاذلى
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الدكتور أحمد خليفة شرقاوي يكتب: قيم تعليمية في ثقافة احترام النظام العام

إن الأمن الفكري والسلام المجتمعي أصلان لكل تقدم ورقي، ومصدران لكل سعادة وهناء، وإن سيادة الأمن والأمان في ربوع الأوطان لا تتأتى إلا ببسط العدل التام ونشر السلام العام؛ فالناس إذا تحصنت أفكارهم أمنوا في أوطانهم وارتاحت نفوسهم واطمأنت قلوبهم، ومن ثم فيسلمون في أنفسهم وأهليهم، ولقد جعل الإسلام ميزان الرجل في الصلاح أن يسلم الناس من لسانه ومن يده، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-:" المسلمُ مَن سلمَ النَّاسُ من لسانِه ويدِه، والمؤمنُ من أَمِنَه النَّاسُ على أموالهم وأعراضهم"(رواه البخاري)، فرسالة التعليم إنما جاءت من أجل بناء الإنسان وتنمية العمران، وإسعاد الإنسانية كلها، بالقيام على صلاحها وإصلاحها وحفظها وكمالها، وضمان حمايتها من اعتداء المعتدين، وعدوان الظالمين، ومكر العابثين؛ صونًا للعقول من الخلل وحماية للأفكار من الزلل، على نحو يسهم في إرساء قواعد الأمن وترسيخ مبادئ السِّلم والأمان، ولقد وهب الله- عز وجل - مصر للعالم، ليقوم أزهرها الشريف منذ نشأته عام 972م حتى الآن بهذا الدور الرئيس؛ إنطلاقًا من وراثته الحقة لرسالة الأنبياء والمرسلين؛ عملًا بقوله تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا " (سورة البقرة، آية رقم " 143)، 

هذا، ويظل التعليم حصنًا للأمة كلها من مظاهر السلبية والأنانية، وحائطًا منيعًا من أدواء الغلو والتطرف، سيما التعليم في مصر الأزهر، حيث يتوافد إليه طلاب العلم والباحثون من كل حدب وصوب؛ حرصًا على النَّهل من أصوله ومصادره، وتعلمًا من مناهجه ومعالمه، وتمرسًا على وسطيته واعتدال مذاهبه، فالتعليم الأزهري من أقدم أنواع التعليم في العالم، وأوسعها تكوينًا للعقل البشري، وأكثرها تأثيرًا في الفكر الإنساني؛ وقد تأصلت فيه نظم الفهم القويمة، وأصول التعليم وتقاليده الأصيلة، وانتقلت منه إلى دور التعليم في مختلف دول العالم، كما أقيمت على مائدة التعليم الأزهري حلقات العلوم والفنون، والثقافات المتنوعة والمعارف المختلفة، فكان مصنعًا رائدًا لصناعة أكابر العلماء والفقهاء والحكماء، ويبقى التعليم في الأزهر رمزًا أصيلًا وعنوانًا رئيسًا للسلام, ومنارةً للعلم والدِّين.

لذا؛ فقد اشتهر الأزهر بين العلماء في دنيا الناس بأنه هو الحِصن الذي انتهت إليه مواريث النبوَّة، واستقرَّت فيه أمانة السلف الصالح، واستعصمت به لغة القرآن الكريم، حتى غدت أرضُهُ حَرَمًا، وجنابُهُ حِمًى، وقولُهُ في الأمور فصلًا، وقد غدا عبر الزمان حصنَ العقيدة، ولسانَ الشريعة، ومَظْهرَ الحقيقة، فالتعليم الأزهري بما فيه من أسس علمية، وتربية متوازنة، ووسطية حقة، واتباع للدليل العلمي، وترك للشقاق والافتراق، ودفع للمراء والأهواء، كفيل لأن يؤهل العلماء والمفتين والمصلحين تأهيلًا صحيحًا، من أجل الارتقاء بالنفس البشرية، وبقائها على نزاهتها الإنسانية وفطرتها السّوِية, من هنا كان لزامًا أن يعلم الأزهريون جميعًا أنهم مسئولون عن بناء أنفسهم، وسلامة تصرفاتهم، واستقامة أفكارهم، وصون سلوكهم، وأنه لا قداسة لأحد منهم في دنيا الناس إلا بحسبان عمله، ورفعة أخلاقه، وسَعَة أثره، وسلامة تصرفه.

من هنا أقول: إنه من الأهمية بمكان أن تكون حرية الرأي والتعبير ضمن حدود القانون فلا تخرج عنها بحال، حتي لا يكون هذا الحق المكفول للناس جميعًا وبالًا على المجتمع بأسره، وذلك عندما يصبح هذا الحق دون رابط أو ضابط إلا التشهّي والهوى، مما يؤدي – قطعيًا- إلى ازدراء الأديان وانتهاك قواعدها، لذا، فقد نص الدستور المصرى، الصادر في م2014 في المادة "65" منه، على أن: "حرية الفكر والرأى مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر"، وعليه فإن الحرية حق فطري لكل إنسان بيد أنه يجب أن لا يوظّف هذا الحق لإثارة الكراهية والتباغض والتشاحن والعنصرية والإساءة إلى الأديان السماوية أو إلى المنتمين إليها تحت زعم العلم بحال، ولا شك أن أيّ تصرف من قول أو فعل ينال من ثوابت الشريعة، أو يخالف قواعدها، أو ينحرف بها عن سياقها ومقاصدها، أو يكون من شأنه التجاوز في حق العلم أو العلماء، فإن هذا التصرف يورث الوهن فى المجتمع بأسره، لما يمثله ذلك من مخالفات شرعية وقانونية، على نحو ما نصت عليه المادة رقم" 98 فقرة " و " من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937م، والتي جاء فيها أنه: " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنية كل من استغل الدِّين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي"( معدلة بالقانون رقم 147  لسنة 2006م، الجريدة الرسمية بتاريخ ١٥ / ٧ / ٢٠١٦م ).

وتأكيدًا على ذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه: " وإن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى الدستور إلا أن هذا لا يتيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه فإذا ما تبين أنه إنما كان يبتغي بالجدل الذي  أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد.."( طعن رقم 653 لسنة 11 ق، جلسة 27/1/1941م)، هذا، ومن تمام صيانة الفكر الإنساني وصون النظام العام المجتمعي، الاحتساب على مدّعى العلم بالدِّين، بأن يتكلم بغير علم، أو يحرّف آيات الله، أو يفسرها تفسيرًا باطلًا لا تجيزه الشريعة ولا تحتمله اللغة، ولقد تجرأ رجل يدعى "محمد الكلائي"، المتوفى سنة 801ه على كتاب الله ، فلما بلغ أمره إلى الشيخ " سراج الدّين البلقيني" أرسل إليه وعزّره ومنعه من الكلام على الناس.(د حيدر بن أحمد الصافح، الحسبة فى العصر المملوكي، ص368.)، وقد رفع محتسبون دعوى الحسبة على رجل يسمى " النور الخرساني " ادٌّعي عليه بأنه كان يسبّ الأئمة الأربعة وأنه ليس بأهل للعلم، وأنه كان يخوض فى علوم الشرع، وشهد عليه جماعة بأشياء متعددة فاقتضى الحال أن يعزّر، ليكون عبرة لمن يتطاول على علماء الأمة وسلفها الصالح بالطعن فيهم أو التنقيص منهم.( ابن كثير، البداية ، 14/ 229 )، ومن الجدير بالذكر أن المقنن المصري قد أسند الاختصاص بشأن تحريك دعوى الحسبة للنيابة العامة دون غيرها، وذلك بموجب القانون رقم" 3 " الصادر فى سنة 1996م، الذى بمقتضاه أصبح المدّعي فى دعوى الحسبة هو النيابة العامة دون غيرها، وأما من يبلغ عن غيره من الناس أنه يتكلم دون معرفة بأمور الدِّين أو بفهم سقيم، فلا يعدو أن يكون مبلِغًا أو شاهدًا على واقعة التكلم بغير علم أو نشر هذا الفهم، وذلك احتسابًا لله –عزوجل- ومن ثم فلا ينتصب شاهد الحسبة أو مقدم بلاغ الحسبة خصمًا ولا يٌعَدُّ مدعِيِّا ولا يصدق عليه هذا الوصف بحال، وهنا يجب أن ننبه بأن الحسبة على من يدّعي العلم بالدّين إنما تباشر ابتغاء لوجه الله تعالى دون غيره، بعيدًا عن التناكر لخلق الله، أو التباطل عليهم، أو الكيد لهم، أو النيل منهم، وذلك لما روي أن معاوية بن أبى سفيان- رضي الله عنهما- كتب إلى عائشة -رضي الله عنها- أن اكتبي لي كتابًا توصينى فيه ولا تكثرى عليّ فبعثت عائشة- رضي الله عنها- إلى معاوية سلام الله عليك أما بعد، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكَلَه الله إلى الناس"، والسلام عليك.(أخرجه الترمذي فى سننه)

..............
الدكتور أحمد خليفة شرقاوي أحمد.                                  أستاذ قانون المرافعات المساعد بجامعة الأزهر.
رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية.