رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
الأخبار العاجلة :
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الدكتور عادل عبد الله عبده يكتب: هزة الأرض... وسؤال المصير: على أي حال نلقى الله؟

يا لها من ليلة هزت القلوب وأيقظت الضمائر! زلزال ضرب الأرض بقوة 6.3 درجات، لم يهز المنازل فحسب، بل هز أركان النفوس، وأشعرنا بضعفنا وعجزنا أمام قدرة الخالق. تلك الثواني المعدودات التي اهتزت فيها الأرض من تحت أقدامنا، مرت كأنها دهر كامل، استحضر فيها كل واحد منا صورته الأخيرة في هذه الحياة.
تساؤلات حاصرتني وأنا أرتجف خوفاً، تساؤلات وجودية عميقة، لامست أوتار الروح: لو أن تلك الهزة كانت القاضية، فكيف سيكون حالنا؟ على أي حال سنلقى الله؟ وبأي عمل سنختم حياتنا؟
كم من نفس كانت ستقبض وهي سادرة في غيها، غارقة في شهواتها، تعصي الله جهاراً أو سراً؟ كم من قلب كان سيخفق آخر خفقة وهو يحمل ضغينة لإخوانه، أو قاطع لرحمه، أو ظالم لجاره؟ كم من عين كانت ستُغمض للأبد وهي تنظر إلى ما حرم الله، أو تقرأ ما يغضب الله؟ كم من لسان كان سيخرس وهو ينطق بالزور والكذب والغيبة والنميمة؟ كم من يد كانت سترتخي وهي تمتد إلى الحرام أو تؤذي الآخرين؟ كم من قدم كانت ستتوقف عن السعي وهي تجري وراء ملذات زائلة أو خطوات إلى الإثم؟
لحظات عصيبة كشفت لنا هشاشة هذه الدنيا، وأننا جميعاً على حافة الهاوية، وأن الموت يأتي بغتة، لا يستأذن ولا يؤجل. تذكرت قول الحق تبارك وتعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: 34]. أجل، لا تأخير ولا تقديم، فإذا حانت ساعة الرحيل، لا يملك أحد منا دفعها أو تأخيرها.
وفي المقابل، تخيلت أيضاً صوراً أخرى تبعث على الرجاء: كم من روح كانت ستصعد إلى بارئها وهي طائعة، ذاكرة، مستغفرة؟ كم من جبهة كانت ستُرفع آخر مرة ساجدة لله، خاشعة بين يديه؟ كم من عين كانت ستذرف دمعة ندم على ما فات، أو دمعة خشية من الله؟ كم من قلب كان سيطمئن وهو يحمل حباً لله ورسوله، وسلاماً للناس أجمعين؟ كم من يد كانت سترتفع بالدعاء والتضرع، أو تمتد بالعون والصدقة؟ كم من قدم كانت ستثبت على الصراط المستقيم، بعد أن سعت في الخير وأقامت الصلاة؟
تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ". يا له من حديث يهز الأركان! على أي حال نحب أن نُبعث؟ على معصية وذنب وخزي، أم على طاعة وقربة ورضوان؟
ألم يكن هذا الزلزال القوي بمثابة صفارة إنذار؟ ألم تكن تلك الهزة العنيفة تذكيراً بأن الدنيا زائلة، وأن الحياة قصيرة، وأن المصير إلى الله وحده؟ ألم نشعر للحظات بأننا بين يدي الله لا نملك لأنفسنا شيئاً؟
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: 1-2].
هذه الآيات تصف زلزلة أعظم وأشد، زلزلة الساعة، ولكنها تحمل في طياتها تذكيراً لنا بزلازل الدنيا، وأنها آيات وعبر، تدعونا إلى مراجعة أنفسنا، وتصحيح مسار حياتنا.
فلنتعظ أيها الناس! لنتذكر تلك اللحظات الرهيبة التي كادت أن تكون خاتمة حياتنا. لنسأل أنفسنا بصدق: هل نحن مستعدون للقاء الله؟ هل أعمالنا ترضيه؟ هل قلوبنا سليمة؟ هل حقوق العباد محفوظة عندنا؟
دعونا نعود إلى الله توبة نصوحاً، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. دعونا نتسامح ونتصالح، ونصل أرحامنا، ونحسن إلى جيراننا، ونكثر من الطاعات، ونجتنب المعاصي.
فلنجعل من هذه الهزة القوية نقطة تحول في حياتنا، وبداية عهد جديد مع الله، عهد من الطاعة والتقوى والاستقامة. فما هي إلا لحظات وقد نرحل عن هذه الدنيا، وكلٌ سيُبعث على ما مات عليه. فاختر لنفسك خاتمة حسنة، تُدخلك جنات النعيم برحمة أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك حسن الختام، والعفو والعافية في الدنيا والآخرة. اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين التائبين الأوابين، واغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، سرها وعلنها، ما علمنا منها وما لم نعلم. اللهم آمين يارب العالمين.