الروح كالجسد تجوع وتعطش وتمرض وتموت، وتحتاج إلى الطعام والشراب والدواء والغذاء، وإذا كانت الروح من أمر الله وسر من أسرار الإله فطعامها وشرابها وغذائها من عند الله؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أبيت عند ربي فيطعمني ويسقيني" أي من الغذاء الرباني والشراب الروحاني الذي ربما به يستغنى الإنسان عن غذاء الجسم والبدن، ويتمثل غذاء الروح في القرب من الله تبارك وتعالى وذلك من خلال:
ـ الصلاة الخاشعة والتي في حلاوتها وروحانيتها ومحوها للهموم والأحزان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا بلال، أقم الصلاة، أرحنا بها"، فالصلاة راحة وطمأنينة وسعادة، بل هي قرة عينه صلى الله عليه وسلم حيث قال: "حُبِّب إلي النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة"، وقرة العين هي دموع الفرح وبكاء السعادة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبكي من شدة فرحه بالصلاة وحبه للوقوف بين يد الله.
ـ القرآن الكريم الذي سماه الله تعالى روحاً في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}[الشورى: 52]، وصدق الله تعالي حيث قال عن روحانيات القرآن: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد: 28]، فالقرآن الكريم روح القلوب وحياة الصدور لا يستغني عنه المؤمن طرفة عين، كما لا يستغني الإنسان عن روحه، فإذا فارقته روحه مات، ومن هجر القرآن فهو ميت بلا روح، وإن كان من جملة الأحياء لكن حياته ضنك ومعيشته نكد، كما قال تعالي: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}[طه: 124، 125]، والقرآن نزل لتحقيق السعادة للناس لا لشقائهم، قال تعالى في أول سورة طه: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[طه:1ـ 2].
وأمة بلا قرآن فهي أمة ضعيفة إن لم تكن أمة ميتة، إلا إذا أحياها الله بنور الوحي وبنور القرآن، كما قال الله تعالي: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}[الأنعام: 122]، فحياة القلوب مع القرآن.
وإذا كان القرآن غذاء للأرواح فإنه أيضاً شفاء وعافية، قال تعالي: {يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: 57]، فالقرآن شفاء لما في الصدور وما يصيبها من آلام وأحزان، وفرق كبير بين الشفاء والدواء، فالدواء يتعاطاه المريض فقط في زمن معين، بجرعات معينة، ولفترة محددة، حسب ما يقرره الطبيب، أما الشفاء وهو القرآن الكريم فلا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه ويستكثر منه الصحيح والمريض والصغير والكبير والرجل والمرأة في كل زمان وفي كل مكان، كما كان حال المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يحجبه عن القرآن شيء إلا الجنابة، وكان صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل بالقرآن حتى تتفطر قدماه، فتقول له السيدة عائش: لم تصنع هذا، يا رسول الله، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدا شكورا!"، فهنيئا لمن عاش على القرآن، ومات على القرآن، وحُشر يوم القيامة مع أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.