لما فرض الله تعالى الحج على عباده قيده بالاستطاعة؛ لأن الحج لا يقدر عليه كل أحد؛ ولهذا جعل الله تعالى هذه الأيام العشر شركة بين الحجيج وغيرهم، فمن عجز عن الحج فلن يعجز في هذه الأيام عن عمل صالح هو أحب إلى الله تعالى من الجهاد في سبيله.
ومن أهم الأعمال في هذه الأيام حج بيت الله الحرام وفي فضل الحج يقول صلى الله عليه وسلم:" مَنْ حَجَّ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ"، فالحج طهارة من الذنوب، فإذا تطهر الإنسان من ذنوبه، كان أهلاً لجنة عرضها السماوات والأرض، فــ "الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةَ".
وإذا خرج الحُجاج يلتمسون مرضاتِ الله تعالى، فغير الحجيج يذهبون إلى أقرب مسجد من منازلهم يلتمسون أيضاً مرضاتِ الله تعالى، فلما اتحد المقصدُ اتحد الأجر والثواب وإن اختلفت البيوت، قال ــ صلى الله عليه وسلم ــ: "مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ" فالمشي للمساجد بطهارة وإخلاص يعدل في الأجر كأجر الحاج المحرم.
والصوم أيضا في هذه الأيام من الأعمال الصالحة التي هي أحب إلى الله تعالى من الجهاد في سبيله والتي كان يواظب النبي صلى الله عليه وسلم على صيام العشر كلها، خاصة يوم عرفة والذي جاء في فضل صيامه أنه: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ"؛ ولهذا أهل عرفةَ يحسدون غيرهم علي صيامه؛ لأنهم لا يصومونه، فهم في ضيافة رب العالمين وأكرم الأكرمين.
وذبح الأضاحي في اليوم العاشر وفي يوم العيد من الأعمال الصالحة التي هي أحب إلى الله تعالى من الجهاد في سبيله، بل سُمي يوم العيد يوم النحر؛ لأن نحر الهدي للحجيج والأضاحي لغيرهم في أيام العيد من أحب الأعمال إلى الله، كما في الحديث: "ما عمل آدمي مِنْ عَمَلٍ يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها، وأشعارها، وأظلافها، وأن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض؛ فطيبوا بها نفساً".
فمن عجز عن الأضحية لغلو سعرها فلن يعجز عن ذكر الله، فالذكر هو مقصود الأضحية وهدف التشريعات كلها، كما قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}[الحج: 37]، وذكر الله في هذه الأيام من الأعمال الصالحة التي هي أحب إلى الله تعالى من الجهاد في سبيله والتي قَالَ فيها صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ".
وكل هذه الأعمال الصالحة من شكر الله في هذه الأيام الطيبة المباركة، وقد وعد الله أهل الشكر بمزيد من النفحات والرحمات والخيرات والبركات، ومن أعظم الشكر هو ذكر الله، كما جمع الله بينهما في قوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}[البقرة: 152].