رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الدكتور إبراهيم درويش يكتب: أصلح نفسك ثم دع التدبير لله

ما أجمل أن نستثمر هذه الايام المباركات والمعلومات أيام العشر من ذى الحجة  خير ايام الدنيا ..التى فيها العمل الصالح احب وافضل وازكى الى الله من غيرها..عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر - قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) 
وان نعود إلى انفسنا ...ونتدبر امرها ...ونصلح من شأنها.. ونعلمها بأنها مخلوقه ..وليست خالقة... وانها فانيه وليست باقيه ..وانها الى الله راجعه... وليست مخلده ..
خلق الله لها الاسباب كى تأخذ بها وتقربها إليه ..وليس لتطغيه ويستغنى بها عنه !

 إياك أن تغرك ألاسباب ..او تطغيك نعم الله عليك ..وتعتقد انه ليس للكون اله حى قيوم .مطلع وشاهد على  عباده حرم الظلم على نفسه وجعله بين خلقه محرما ..
هو الذى منح  الانسان العقل وانعم عليه بوسائل الادراك .وخلق الاسباب وجعل لكل شيئ سبب .
ومع ذلك  يخطئ المرء  إذا اعتمد على الاسباب فقط  كأنها كل شيئ... ونسى الله  خالق الأسباب ومسخرها ...وقصر فى حق نفسه وحق ربه وطغى على خلق الله وغفل عن أن  مافيه من نعمة وفضل وإمهال  من فضل الله عليه ورحمته به. يقول تعالى ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾..

التدبير للنفس عبادة ..
---------------------------------
الله  أمرنا الله بحسن التدبير لأنفسنا، " فالتدبير للنفس عبادة"،
هو محاسبتها والعمل على تزكيتها  مصداقا لقوله تعالى : ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾وهذا تدبير إيجابى  يؤدى  إلى إصلاح شأن المرأ لدنياه وأخراه، كتصحيح التوبة، وتبرئة الذمة، قياما بواجب شكر المدبر...كما ان تدبير الانسان لنفسه و لحياته وخطواته  يؤدى الى سعادته فى الدنيا والآخرة    .. وقد قيل:" فكرة ساعة خير من عبادة سبعين سنة".
وهناك فارق بين التخطيط والتدبير، فالتخطيط تصور نظري استشرافي، بينما التدبير تنفيذ وإنجاز وتطبيق.
كما أن  حسن التدبير يعنى النظرة المستقبليّة الواعية للأمور،  وقراءة الواقع وادراك المآلات والنهايات .. وفيه دلالة على حسن بصيرة
 الانسان والتدبير  الايجابى الذى يعى فيه الانسان قدراته وحدوده وبشريته ..فينتج عن هذا التدبير صلاحه و سعادته فى الدنيا والاخرة 
 أما سوء التدبير او التدبير السلبى فيه ينسي  المرء  نفسه وربه  ويستغل نعم ربه عليه  فى الشرور  والمعاصي وظلم  الناس  .وهذا له  عواقب وخيمة على دينه وعلى أخلاقه وعلى دنياه وأخراه وسيشقى دنيا وآخرة 

دع التدبير لله 
-----------------
يقول تعالى فى آيات كثيرة من القرآن الكريم ان من صفاته وقيومته بأنه يُدَبِّرُ الْأَمْرَ"، "بَالِغُ أَمْرِهِ"، "غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ"؛ "ذَٰلِكُمُ اللَّهُ". ...تدبير الله -سبحانه وتعالى جامع شامل - لأمور الكون والمخلوقات فيه على ما اقتضته حكمته، وسبقت به مشيئته...فهو المدبّر لأمور الخلق، ولملكوت السماوات والأرض، وما يقع فيهنّ من الإحياء والإماتة، وتقدير الأقوات والأرزاق، وغير ذلك..وهناك ايات كثيرة فى القرآن تشير إلى ذلك من هذه ألآيات قوله تعالى  (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ). [يونس: ٣] .ويقول أيضا .(قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ
 سبحانه وتعالى إذا قضى أمرا قال له كن فيكون ..
فمن يريد النجاح والفلاح والنصرة والعزة.. عليه أن  يأخذ بالاسباب  طاعة لله يبذل قصارى جهده تعمل جوارحه ويتوكل قلبه ويفوض امره لله .يقول بلسان حاله  "اللهم دبر لنا فإني لا أحسن التدبير"..

مهما صادفت من عثرات ..واشتدت  الازمات ..وضاقت نفسك بما رحبت اياك ان تيأيس او تقنط ..لا تنظر إلى البدايات المؤلمة ..وتعلق دائما  بالنهايات المبهجة ..فربما تكون البدايات مؤلمة ..تؤدى بك إلى نهايات مبهرة.....
إياك ان تفتن  بظاهر الاشياء ..بل بما اطمأنت به القلوب ..فكل سلوكيات الانسان نابعة من خلال معتقداته..وما فى الوجدان تظهره فلتات اللسان .. 
فالسرائر ميزان الظواهر ، فمن صلحت سريرته صلح عمله ، ومن فسدت سريرته لا يظهر خيره إلا نفاقاً”.
كن موقنا بقدرة الله على تدبير ألامور ..فوض ألامر إليه.
ففي قصة سيدنا  موسي عليه السلام  ، طفل بغير أم ، يساق الي أم من غير طفل ، في بحر متلاطم  .لتجتمع الأم التي ولدت ، مع الأم التي أحبت ، في بيت عدو يريد قتله .حتى يقضى الله أمرا  كان مفعولا. قال تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي) خطواتك وحركاتك محسوبة من الميلاد حتى الموت  فالامور تجرى بمقادير بتدبير العليم الخبير يقول تعالى ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ .وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾..
تذكر جيدا سير الانبياء. والصالحين كم عانوا من الابتلاءات ولكن الله كشفها بقدرته وايدهم بنصره فمن الذى انقذ الخليل ابراهيم من النار .بعد ان القاه قومه فيها ...من الذى فدى اسماعيل عليه السلام  من الذبح بعد ان مرر اباه السكين على رقبته ... من الذى انقذ يونس عليه السلام  بعد ان التقمه الحوت واصبح فى الظلمات ... من الذى شفى نبى الله أيوب من مرضه بعد ان يأيس من شفائه احب الناس اليه ....من الذى نصر سيدنا محمد صلى الله وسلم  من كيد قريش ليقتلوه  فى الهجرة ...كما يمثل النبي يوسف -عليه السلام- أروع مثال للتدبير المشروع.فى الدين والدنيا . فبإخلاصه لله وفقه سبحانه إلى حسن تدبير شئون مصر، فأخرجها من أزمتها الطاحنة.

ختاما ..
----------
ابذل قصارى جهدك وخذ بالاسباب حتى  إذا ضاقت عليك ألامور  وانقطعت بك الاسباب إعلم أن اسباب الله  لا تنقطع.. فلا حد لقدرته ولا نهاية لكلماته.
يقال :لا تدبرْ لكَ أمرًا  فأُولو التدبيرِ هَلْكَى..سلِّمِ الأمرَ تجدنا  نحنُ أولى بكَ منكا ....ويقول الامام الشافعى .
دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ
        وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
              فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً
            وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ
وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا
            وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ
فاللهم اجعل حركاتنا  وسكناتنا  وشأننا كله في رضاك، وألق علينا  محبة منك، واصطنعنا لنفسك يارب العالمين..وكل عام وانتم بخير 
ا.د / ابراهيم حسينى درويش 
جمعة طيبة مباركة
٢٠٢٥/٥/٣٠