رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب: تضحية الحاج خالد عبد العال

رأينا في مدينة العاشر من رمضان على الهواء مباشرة تضحية الحاج خالد الذي ضحى بروحه لإنقاذ الناس من حادث كبير وانفجار عظيم حيث اشتعلت شاحنة بنزين وتطايرت ألسنة اللهب في كل مكان، فركب الشاحنة بكل شجاعة، وتراجع في وسط النار؛ ليبتعد بالشاحنة ولا تنفجر في المباني السكنية، حتى خرج من الشاحنة وقد ذاب جلده وساح لحمه، وفارقت روحه الطاهرة بعد أيام في مستشفى الحروق.
ويضرب العم خالد بذلك المثل الرائع في الإيثار والتضحية بالنفس والروح، وأنه ما تأخر ولا تردد حينما سمع نداء الرجولة: (حي على الشهامة والبطولة).
وفي قصة أخرى مشابهة للصادقين الأوائل في الفداء والتضحية والإيثار، قال حذيفة العدوي: ‌‌"انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمي ، ‌ومعي إناء فيه ‌ماء، فقلت: إن كان به نَفَسٌ سقيته من الماء، ومسحت به وجهه، فوجدته في الرمق الأخير، فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم، وإذا رجل يقول: آه فأشار ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص، فأتيته، فقلت: أسقيك؟ فسمع آخر يقول: آه فأشار هشام أن انطلق به إليه، فجئته، فإذا هو قد مات، ثم رجعت إلى هشام، فإذا هو قد مات، ثم أتيت ابن عمي فإذا هو قد مات" فقد ذابت أرواحهم في محبة الخير للغير، وآثروا الناس على أنفسهم، فما أطيب هذه النفوس! وما أعظم ثوابها عند الله!
ومثال ثالث في التضحية والإيثار أن ضيفا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه يسألهن عن طعام، فقلن جميعا: ما عندنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: من يُضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله، فقالت: ما عندنا إلا عشاء صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأوقدي سراجك، ‌وَنَوِّمِي صبيانك إذا أرادوا العشاء، فهيأت طعامها، وأصلحت مصباحها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعل يأكل الضيف، وجعلا يتظاهران أنهما يأكلان، فباتا طاويين من الجوع، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "‌ضحك ‌الله ‌الليلة،من صنيعكما بضيف رسول الله", وفي روعة هذا الإيثار نزل القرآن الكريم شاهدا على هذه الأخلاق الراقية، وأنزل الله عز وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: 9]، وجاءت هذه الآيات في سياق نموذج حي كريم في الحديث عن الأنصار وإيثارهم للمهاجرين على أنفسهم، ثم ترغب الآيات أيضاً في التخلص من الأخلاق الشيطانية من الشح والأثرة، وأن مَن تخلص من  داء الأنانية والنرجسية وحب الذات فهو مُدرج في سلك المفلحين.
ومنبع صافٍ للإيثار لا ينقطع، ومصدر للبذل والعطاء، ولا يمل من التضحية يظهر في شخص الوالد وأنه بلغ من إثار أولاده وتقديمهم على نفسه، أن ألذ لقمة عند الأب هي اللقمة التي يخرجها من فمه ويضعها في فم أولاده.
أما الأم والوالدة فقد بلغت المنتهى في كل ذلك، فقد حملتك أيها الإنسان في بطنها تسعة أشهر كأنها تسعُ حجج، وذاقت من الأوجاع ما يُذيب المُهَج، وغسلت بيمينها عنك الأذى وآثرتك على نفسها بالغذاء، فإن أصابك مرض أو شكاية أظهرت من الأسف فوق النهاية، ولو خيرت بين حياتك وموتها لآثرت حياتك بأعلى صوتها.