رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب عن: الرفق بالفقراء

"هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"، هكذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في فضل وأهمية حسن التعامل مع الفقراء وجبر خاطر المساكين، وأنهم مصدر عظيم من مصادر الرزق والنصر لمن أراد النصر وسعة الرزق في الحين أن بعض تفوته هاتان المنفعتان، ويتعاملون مع الناس بأخلاقه تجارية بحته (اللي معاه قِرش يساوي قِرش)، فتراه يوقر الأغنياء ويُجل الأثراء، وفي المقابل ينهر المسكين ويدفع اليتيم، ويبخل بالكلمة الطيبة عن الفقير والمحتاج، وهذا من الكِبر والتعالى الذي يَحِرم صاحبه من الجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر".
وربما هذا الفقير الذي يطرد من الأبواب ولا وزن له عند الناس له مقامه ومكانته عند رب الناس، قال صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره".
وإذا تأملنا اللين والرفق الذي كان يتعامل به النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل الصفة الفقراء، لرأينا شيئاً عجيباً فيطعم جائعهم، ويعود مريضهم، ويوقر كبيرهم ويعطف على صغيرهم بل ويخفف عنهم الألام والأحزان ويلاطفهم وينزل من عليائه صلى الله عليه وسلم ليمازحهم ويُداعبهم، فهذا رجل من أهل البادية يقال: له زاهر بن حرام كان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الهدية ‌فيجهزه ‌رسول ‌الله ‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم ‌إذا ‌أراد ‌أن ‌يرجع للبادية، ‌فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن زاهر بادينا ونحن حاضروه"، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه والرجل لا يبصره، فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت إليه، فلما عرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم جعل يلزق ظهره بصدره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري هذا العبد" فقال زاهر: تجدني يا رسول الله كاسدا، قال: "لكنك عند الله لست بكاسد"، أو قال: صلى الله عليه وسلم: "بل أنت عند الله غال"... .
وإذا كان في تهميش الفقراء خسارة لمحبتهم ودُعائهم، فكيف بمن يستجلب بغضهم وكراهيتهم بالتنمر بهم والسخرية منهم أو الاستهزاء بأعمالهم الصالحة، وهو ما يجلب سخط الله وغضبه، قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة: 79]، وهو ما حذر منه القرآن بعامة، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ}[الحجرات: 11].
بل القرآن الكريم قد احتفى بكرم الفقراء وسخاء المساكين مهما قل أو صغر، ففي قصة الرجل الذي استضاف ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبات طاويا من الجوع هو وزوجه وأولاده، حتى أنزل الله تعالى فيهم قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[الحشر: 9].
تعوَّدَ بسط الكفِّ حتى لو أنَّه    ثناها لقبضٍ لمْ تُجبهُ أنامِلُهْ
ولو لم يكنْ في كفِهِ غيرُ روحِهِ    لجادَ بها، فليتقِ اللهَ سائلُهْ
وكسب قلوب هذه الفئة الفقيرة من الناس لا يكلف كثيراً، بل بكلمة طيبة وبسمة صادقة ولمسة حانية ودعوة صالحة ومحبة خالصة كفيل باستمالة هذه القلوب، والفوز بخيرها وبرها في الدنيا والآخرة.