رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب عن: البحث عن يتيم

الحرمان هو الشعور الأول الذي ينقدح في الذهن عند سماع كلمة يتيم؛ لأن اليتم والحرمان دائما مقترنان، فاليتيم قد حُرِم من العطف والحنان والمودة والرحمة لَمَّا حُرِم من طعم الأبوة التي هي مصدر العطف والحنان والعطاء غير المحدود؛ ولهذا عظم الشرع الحنيف شأن رعاية اليتيم ومَن يُعوضه شيئاً مما حُرِم منه، وفي كفالة اليتيم يقول صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا"، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى وفرج بينهما، أشارة إلى قُرْبه من منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، كَقُرْب السبابة من الوسطى.
وقال صلى الله عليه وسلم لمَن يشكوا من قسوة قلبه: "إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم تدرك حاجتك"، فالعطف على اليتيم مصدر من مصادر الفرح والسعادة والسرور وراحة القلب.
والنبى صلى الله عليه وسلم نفسُه وُلِدَ يتيماً، فقد مات أبوه وهو في بطن أمه، وماتت أمه بعد ذلك وهو ابن ست سنين فذاق طعم الحرمان من الأمومة والأبوة، فآواه الله تعالى، وآوى به، وهداه وهدى به، وكفاه وأغناه وأغنى برسالته كلَّ يتيم، حيث أوصاه الله عز وجل ألا يقهر يتيماً أو يحزنه، بل يجعله محل إعزاز وإكرام، وتقدير واحترام، فقال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}[الضحى: 6 - 9]. 
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يواسي اليتامى ويحنوا ويعطف عليهم، ولما جاء خبر استشهاد جعفر بن أبي طالب للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال لأمِّهم أسماء بنت عميس ـ زوجة جعفرـ: "ائتيني ببني جعفر"، فأتيت بهم، ‌فَتَشَمَّمَهُمْ وَرَقَّ لهم وذرفت عيناه رحمة بهم، وتعهد بهم، وأخذهم معه إلى بيته، فلما ذَكَرَتْ أمُّهم من يتمهم وحاجتهم، قال صلى الله عليه وسلم متعجباً: "العيلة ـ أي الفقر والحاجة ـ تخافين عليهم وأنا ‌وَلِيُّهُمْ في الدنيا والآخرة؟". 
أما عن الأرملة التي فقدت زوجها، وقامت بدور الأب والأم في آن واحد، ففيها يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أنَّ امرأة تبادرني للجنة، فأقول لها: مالك ومَن أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي"، حيث حرمت نفسها من حقوقها؛ لتتفرغ للأمومة والأبوة، وتربية أبنائها وتعليمهم وفوق ذلك الحِمل الأثقل وهو توفير مورد للإنفاق عليهم من الحلال، فأرادت بعملها أن تدخل الجنة قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لعظيم عملها عند الله.
ويؤكد هذا ما صح عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها؛ لأنهما لم تشبعان، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار"، فاتقوا الله في اليتامى ولو بشق تمرة.
ولنرسم البهجة والسعادة والسرور على وجوه اليتامى، حتى تزول أحزاننا وتخف أوجاعنا، وتسعد قلوبنا وتنشرح صدورنا، و{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}[الرحمن: 60].