رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
الأخبار العاجلة :
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

حسام فوزى جبر يكتب امتحانات الثانوية انتهت و بقيت كارثة الأخلاق

هل نحن أمام جيل ضائع أم مجتمع عاجز؟

انتظرت عدة اسابيع حتي تنتهي امتحانات الثانوية العامة حتي لا يتهمنا أحد أننا شتتنا تفكير الطلاب أو شغلناهم وعندما علقنا علي لجان غش جماعي مثبتة بالفيديو و الصور تعرضنا لهجوم جبان من طلبة وطالبات غشاشين تنافسوا في سب كل من قاوم غشهم وبالفعل انتهت امتحانات الثانوية العامة رسميًا وخرج آلاف الطلاب من لجانهم في مختلف المحافظات في احتفالات صاخبة وكأنهم قد فتحوا العالم ولهم حق الاحتفال والفرح طالما لا ضرر لأحد ولكن ما شهدناه هذا العام من مشاهد صادمة وسلوكيات مستفزة لا يمكن أن نضعه تحت بند “الضغوط” أو “الرهبة من الامتحان” بل يجب أن نقرّ بأننا أمام كارثة أخلاقية مكتملة الأركان تمثلت في تجاوزات غير مسبوقة ضد المراقبين ورؤساء اللجان وحالات غش جماعي لم تُثبت ولم يُحرر ضدها أي ورقة حالات وصلت حدّ التهديد والابتزاز بنات وأولاد يتحدثون بلسان لا يعرف حدودًا للأدب والأخلاق وبلهجة لا تعترف باحترام وبثقة منقطعة النظير بأن "الحق معهم دائمًا"، وأن الغش ليس مخالفة، بل “حَق مُكتَسب”!

أمام كل هذا، لا يمكن أن نغضّ الطرف أو نُهوّن من الأمر بحجة أن الامتحانات دائمًا تشهد انفعالات لا وألف لا ما حدث هذا العام يختلف تمامًا عن هذه المسميات ما حدث هو انعكاس مباشر لحالة الانهيار الأخلاقي التي أصابت عمق المجتمع وضربت أساس الأسرة وتسربت إلى عقول أبنائنا دون أن نجد من يردع أو يقاوم حين تحولت لجان الامتحان من ساحات علمية إلى مسارح للفوضى وبدلًا من أن نرى طالبًا مشغولًا بتحليل سؤال أو استرجاع معلومة رأينا من يهدد الملاحظ ويُخرج من لجنته في اتجاه دوران المياه أو أماكن أخري خلال الامتحان أمام الجميع، ويقول بلهجة متحدية: “مش هتقدر تمنعني”!، ولدي مراقبين شهود علي ذلك،

ورأينا طالبة تصرخ في المراقبة قائلة: “هتغشني بالعافية ولا أزعلك؟ أهلي واقفين بره” وكأنها صاحبة الحق والمعلمة المراقبة هي الطرف الضعيف الذي يجب أن يخضع!، إن هذا ليس مجرد خروج عن النص بل خروج عن الأخلاق عن الأدب عن التربية عن أبسط معاني الحياء والاحترام هذا هو قمة تدالىدة الأخلاقية التي نتحدث عنها منذ عدة سنوات ردة أخلتقية أصابت أعز ما نملك أصابت أولادنا والمؤلم أكثر أن كل هذا يحدث تحت أعين المجتمع دون وقفة حقيقية دون تحرك جماعي يسأل: لماذا وصلنا إلى هنا؟ وكيف نعود؟، لقد كتبت مرارًا في مقالات سابقة عن الردّة الأخلاقية التي أصابت أهم ما نملك: أولادنا وكتبت عن “الانحدار الأخلاقي” الذي أصاب المجتمع، حيث أصبح الكل يرى الانهيار، ويسكت، ويؤجل المواجهة بحجج كثيرة، أولها: “مش وقتها”، وآخرها: “ما كل الناس كده”!

فالبيت ينتظر أن تصلحه المدرسة والمدرسة تنتظر تدخل الوزارة والوزارة تنتظر من يكتب التقارير والكل يكتفي بالمشاهدة بينما الأخلاق تنهار بصمت مدوٍ ولا أحد يريد أن يتحمل المسؤولية الحقيقية إن أخطر ما في المشهد ليس في الغش ذاته رغم فداحته بل في الاقتناع العميق لدى بعض الطلاب بأن الغش حق، وأن منعه ظلم وأن النجاح وسيلة لا علاقة لها بالقيمة أو المجهود والأخطر من ذلك أن كثيرًا من أولياء الأمور صاروا يتعاملون مع الغش كحل "مؤقت" لا بد منه، ويبررونه بأن "الجميع يفعل ذلك"، و"ابني مش أقل من غيره"وهكذا نُرسّخ في أذهان الأبناء أن الاحتيال طريق جائز وأن الممنوع يمكن تجاوزه بقليل من الصوت العالي أو التهديد أو حتى العنف فحين يصبح المراقب هو الطرف المذعور، ويصبح الطالب هو من يضع القواعد داخل اللجنة فإننا لا نحتاج إلى نظام تعليم جديد بل إلى نظام تربية جديد، إلى مؤسسة تعيد تكوين الإنسان قبل أن تعلّمه.

أنا هنا لا ألوم جيلًا كاملًا، بل ألوم البيئة التي تركته يتشكّل بلا وعي الطالب اليوم لا يرى أمامه قدوة حقيقية بل يرى من يصنعون الشهرة من التفاهة ومن يصبحون رموزًا عبر الشتائم والمواقف الساخرة يرى من يكسب ملايين المشاهدات بلفظ خارج أو تحدٍ مهين أو مشهد استعراضي ثم نطالبه بالتركيز في الكتاب والاحترام داخل اللجنة إنها الازدواجية في الرسائل التي نبعث بها لأبنائنا هي من تصنع هذا الجيل الحائر المشوّش الذي لا يعرف إلى أي طريق ينتمي هل هو مطلوب منه التفوق أم النجاح والنجاة بأي وسيلة؟، وهل عليه أن يحترم معلميه أم يراهم عقبة في طريقه؟، وهل المجهود هو الطريق أم أن الطرق المختصرة أصبحت هي الأساس؟

وايضًا لا أحمل أولياء الأمور كامل المسؤولية، لكن أسألهم بصدق: هل تراجعون حقيبة أولادكم، أم هواتفهم؟، هل تعرفون ما يشاهدونه؟ ما يقولونه؟ من يتابعونه؟، هل سألتم أنفسكم: ماذا لو فشلتم في تربية الضمير، ونجحوا في تحصيل الدرجات؟، هل هذا نجاح حقًا؟ أم فشل مؤجل سيدفع المجتمع كله ثمنه؟

عزيزي القارئ الكريم ما جرى في امتحانات الثانوية العامة هذا العام لم يكن مجرد أزمة امتحانية بل كان ناقوس خطر يدق على رؤوسنا جميعًا، ليقول:

إن الأخلاق تنهار، وإن القيم تغيب، وإننا بصدد انفجار قيمي إن لم نتحرك اليوم إننا أمام أزمة هوية لا أزمة تعليم أمام طوفان من اللامبالاة والأنانية والتقليد الأعمى نحن أمام جيل ما زال يمكن إنقاذه لكن الشروط أن تكون وقفة جادة، بصراحة مؤلمة، بإرادة جماعية، لا تستثني أحدًا.

نحن لسنا ضد الجيل الجديد بل نحمل وجعنا عليه ونخاف على مستقبله نخاف أن نصحو يومًا فلا نجد ما نُعلّمه لأن الأساس قد ضاع ومن يحب أبناءه بحق لا يبرر لهم الغلط بل يوقفهم عنده ومن يحب هذا البلد لا يتغافل عن أخطر ما يهدده وهو انهيار القيم وضياع الاخلاق فالتعليم بلا تربية بناء هش والمجتمع الذي يسكت عن الانحدار الأخلاقي، مجتمع ينتحر ببطء.

 

فهل من وقفة؟

هل من ضمير يُستدعى؟

وهل نملك الشجاعة لنقول أخيرًا: كفاية؟