المنهج الظاهري عند الإمام ابن حزم منهجٌ ظاهرٌ وواضحٌ، وهو في ظهوره ووضوحه لا يحتاج إلى مزيد من الشرح والتفصيل، وأنه أيضاً لا يريد بالظاهر أكثر مما تفيده لفظة (الظاهر) في المعاجم العربية.
ولا تعني النزعةُ الظاهريةُ عند الإمام ابن حزم أنه قد عزل العقل أو قيده فلا يَعتَد به، بل بالغ في الاهتمام به؛ لأن العقل عنده بمثابة العين التي تَرَى نور الوحي، ويهتدي به إلى سواء السبيل، ويقول أيضاً عن ضرورة إعمال الفكر في كل ما يحتمله النص من معان عقلية وحاجته الملحة في فهم النصوص: "فلولا العقل ما عرفنا الغائبةَ عن الحواسِّ، ولا عرفنا الله عز وجل، ومن كَذَّبَ عقله فقد كَذَّبَ شهادة الذي لولاه لم يعرف ربه، وبالفكر والذكر تؤخذ المقدماتُ أخذاً صحيحاً".
كما جعل الإمام ابن حزم البدهيات العقلية هي الأساس والعماد لفهم النصوص الشرعية، وفي ذلك يقول: "لا طريق إلى العلم أصلاً إلا من وجهين: أحدهما: ما أوجبته بديهة العقل وأوائل الحس، والثاني: مقدمات راجعة إلى بديهة العقل وأوائل الحس".
ومما يؤكد اهتمامه بالعقل أن أول العلوم التي تبحر في تعلُمها الإمام ابن حزم هي العلوم المنطقية والبديهات العقلية، فلما بلغ أشده واستوى علمُه كان من أوائل مصنفاته العلمية كتابه (التقريب لحد المنطق)؛ مما يوحي بأولوية العقل عنده وحاجته الضرورية لاستخلاص الأحكام الشرعية، من خلال عملية عقلية تتلخص في استيعاب الأدلة الشرعية جمعاً ودراسةً، وتحليلها سنداً ومتناً، والتأليف بينها.
وإذا تميز ابن حزم بالفكر الظاهري إلا أن الظاهر عنده قسمان: ظاهر منصوص على لفظه، وظاهر منصوص على معناه، والأخير هو النتيجة الحتمية المستخلصة من مفهوم النص، وهو ما أسماه (الدليل) وهو قسيم الكتاب والسنة والإجماع عنده؛ وعليه فالإمام ابن حزم لا يتناول ظاهر النصوص تناولاً حرفياً، بل يعطي للعقل مهمته ووظيفته من استنباط دقائق الفقه والفهم من كل ما يتحمله اللفظ من معانٍ ظاهرةٍ أو دِلالات وإشارات خفية.
فمنهج الإمام ابن حزم قائم على ظاهر كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا على كلام أحد من البشر؛ لذا فهو لا يقبل التقليد بكل أشكاله وأنواعه حتى ورفض تقليد الصحابة أنفسِهم، بل يرى التقليد حراماً، وفي ذلك يقول: "وخطاب الله تعالى متوجه إلى كل أحد، فالتقليد حرام على العبد والعامي والعذراء الـمُخَدَّرَة والراعي في شَعَفِ الجبال، كما هو حرام على العالم المتبحر ولا فرق"، فخطاب الله تعالى عنده موجه لكافة المكلفين، ومناط التكليف العقل، وكل عاقل في نظره يستطيع أن يفهم كلام الله ورسوله مع يُسره وسهولته.
ولما أغلق ابن حزم باب التقليد فتح باب الاجتهاد المباشر من النصوص الشرعية لكل أحدٍ من عالمٍ أو عاميٍ أو عذراءَ لا تقرأ ولا تكتب، وكلٌ في اجتهاده حسب قدرته واستطاعته، وفي ذلك يقول: "والاجتهاد في طلب حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما خص المرء من دينه لازم لكل من ذكرنا، كلزومه للعالم المتبحر ولا فرق، ولكن يختلفون في كيفية الاجتهاد، فلا يلزم المرء منه إلا مقدار ما يستطيع عليه؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: 286]".