رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
الأخبار العاجلة :
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الدكتور إبراهيم درويش يكتب: من أمن العقوبة أساء الأدب..حين يُغيب الردع... يُستباح الوطن

في كل مجتمع بشري، تُبنى العلاقات على ميزانٍ دقيق بين الرحمة والعدل، الصفح والحساب، اللين والحزم. الوسطية هي الطريق، والعدل هو الضامن لاستقرار النفوس والأوطان.
لكن ما إن يختل هذا الميزان، حتى تتهاوى القيم، ويحل الخلل في الأفراد والمجتمعات والدول.

حين يُهان القانون تُهان الأوطان
---------------------------------------
فحين يأمن البلطجي من العقوبة، ويأمن تاجر المخدرات من الملاحقة، وسائق التوكتوك من المخالفة، وآكل الميراث من المحاسبة، وناشر الشائعات من الرادع، والمُهمل في عمله من المساءلة... يتحول المجتمع إلى ساحة للفوضى، ويتآكل الشعور بالعدالة، وتضيع هيبة الدولة.
 "من أمن العقوبة أساء الأدب"
حكمة تختزل واقعًا نعيشه، وتدق ناقوس الخطر في وجه كل من يتهاون في إنفاذ القانون.

الصفح حين يتحول إلى تواطؤ
----------------------------------------
من أخطر الأوهام أن يُظن أن التسامح الدائم مع المسيء فضيلة، أو أن التغاضي عن الظلم حفاظ على الوئام، أو أن "الطيبة الزائدة" هي طريق السلام.
في الحقيقة، هذه النظرة تُهدر الحق وتُشجع الباطل، لأن: "من أمن العقوبة أساء الأدب"
هذه المقولة ليست مجرد حكمة مأثورة، بل قانون إنساني واجتماعي، صادق في كل زمان ومكان. فحين يغيب القانون، ويضعف الردع، يتمادى الفاسد، ويتجبر الظالم، ويصبح المُسيء قدوة للآخرين.

حين ينهار العدل... تضيع الأوطان
------------------------------------------
حين لا يُردع الظالم، تتكرر الجريمة، ويُكافأ الفساد، ويفقد الناس الثقة في القانون والدولة والمجتمع.
كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن الله ليزعُ بالسلطان ما لا يزعُ بالقرآن"
والعجيب أن من يُعفى عن ظلمه لا يشعر بالامتنان، بل يزداد جُرأة، ويُحبط من حوله من الصالحين، لأنهم يرون الباطل يعلو، والمجتهد يُهان.

الردع حين يغيب... يختنق الحق
----------------------------------:----
لقد باتت هذه القاعدة اليوم واضحة لكل ذي عقل: عندما يغيب الردع، ينتشر البلاء، ويسود منطق المصالح على حساب المبادئ.
فالتغاضي عن السارق يُشجع غيره على السرقة.والسكوت عن الشائعات يُحولها إلى حقائق. والمجاملة في مواقع العمل تهدم روح المؤسسة. ومكافأة المسيء تُضعف ثقة الناس في العدل وتُصيب المجتهدين بالإحباط.

التنمية الحقيقية تحتاج إلى أخلاق وقانون وكفاءة
--------------------------------------------
لا تنمية بلا أمن، ولا أمن بلا عدالة، ولا عدالة بلا قانون يُطبّق بحزم.
والدولة المصرية  تتوسع كل يوم  في المشروعات القومية  والإنشاءات،  وتسابق الزمن ولكى نحصد ثمار هذه النهضة  لابد ان نحرص على الاخلاق  والقيم والكفاءة والنظام فى كل المشروعات .
 فالتنمية تحتاج إلى:مواطن صالح، وموظف كفء، وشاب منضبط، وسائق يحترم القانون، وإعلام مسؤول، وأمن حاضر، وقضاء عادل.

الدول التي غابت فيها العدالة... سقطت
--------------------------------------
في الدول التي لا تُحاسب الفاسدين، تنتشر الفوضى.
وفي المجتمعات التي يفرض فيها البلطجي سطوته، يهرب الشرفاء وتُغتال الطمأنينة.
وفي الشركات التي يُكافأ فيها المهمل مثل المجتهد، تموت الإنتاجية.
أما الدول التي تُساوم المخربين بدلاً من ردعهم، فهي تُفتح أبوابها للفوضى، وتُصبح مطمعًا لكل طامع.

الردع الدولي المفقود... وأوطان تدفع الثمن
---------------------------------
في عالم اليوم، نرى دولًا انتهكت سيادتها، وسُلبت أراضيها، وشُرد أبناؤها، لا لضعف شعبها، بل لغياب الردع أو خيانة الداخل.
ما حدث ويحدث في سوريا، العراق، اليمن، السودان، ولبنان، وما يتعرض له أهلنا في فلسطين وغزة، جريمة موثقة في ذاكرة الإنسانية، تُدين الصمت الدولي، وتفضح ازدواجية المعايير.
فمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن يصمتان، فيُستبدل صوت العدل بمنطق القوة والمصالح.
فالظالم لا يتوقف إلا إذا وجد من هو أقوى منه.

القرآن والسنة... العدل قبل الصفح
----------------------------------------
القرآن الكريم والسنة النبوية، بل وكل حكماء الأرض، أعلوا من شأن العدل، وجعلوه فوق التسامح، لأنه حامي الرحمة، لا نقيضها.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلْأَرْضِ فَسَادًا...﴾ [المائدة: 33] ويقول تعالى﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ (النحل: 90) وقوله سبحانه ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ...﴾ (البقرة: 179)
وقال النبي ﷺ: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها"
[البخاري] – عدالة صارمة بلا محاباة.
حتى رسول الرحمة لم يتهاون مع المفسدين...رغم أنه ﷺ "رحمة للعالمين"، فقد أمر بقتل بعض المجرمين في فتح مكة، حتى لو تعلّقوا بأستار الكعبة، لأنهم تجاوزوا حدود الله واعتدوا على الأمن العام.وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يُصلح الناس إلا سلطان قاهر" ..وقال أفلاطون: "القانون يجب أن يكون مثل الموت، لا يستثني أحدًا."
وقال نابليون: "الضعف في العقاب أخطر من شدة العقوبة."
وقال الرافعي: "ليست الحرية أن تفعل ما تشاء، ولكن ألا تؤذي."

الشائعات... جريمة بحق الوطن
--------------------------------------
من أخطر أدوات الفوضى اليوم هي الشائعات. فمن يروج شائعة يُدمّر ثقة الناس في وطنهم ومؤسساتهم، سواء بقصد أو بجهل.يقول تعالى
 "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ..." (النور: 19)
فالشائعة تهدم أسرًا، وتُشوه سمعة الأبرياء، وتُحبط المعنويات، وتُستخدم كسلاح في حروب الجيلين الرابع والخامس.

الواقع لا يرحم الضعفاء
-----------------------------
الدول التي لم تُحكم قبضتها على الردع الداخلي، أو لم تبنِ قوة ذاتية تردع الأعداء، أصبحت فريسة سهلة.فـ الصفح عن المسيء لا يصنع تقدمًا، بل يُشجع العدوان.

الردع... مسؤولية مجتمع لا دولة فقط
---------------------------------
ليست الدولة وحدها المسؤولة عن الردع، بل كل مواطن:
فالأب الذي يُهمل التربية مسؤول ،
والمعلم الذي يُجامل مسؤول ،
والإعلامي الذي يُبرر القبح
كل هؤلاء شركاء في الجريمة، إن سكتوا أو سوّغوا الخطأ.
ولذلك قيل "إذا سكت أهل الحق عن قول الحق، توهّم أهل الباطل أنهم على حق."
فلنقف جميعًا في خندق الوعي والعدل والانتماء، ونزرع في أجيالنا أن لا أحد فوق القانون، ولا شيء أغلى من الوطن.

العدالة لا تُناقض الرحمة... بل تحفظها
------------------------------
ومما ينبغى ان نؤكد عليه أن  العدل لا يُناقض التسامح، بل هو درعه. وأن التسامح بدون عدل تواطؤ، وأن الرحمة بلا ردع ضعفٌ قاتل.
وعلينا ان نعد إلى قوله تعالى:
 "وأن احكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم" (المائدة: 49)
وليكن شعارنا: "لا تسامح في الظلم... لا عفو في الفساد... ولا مكان لمن أساء الأدب وأمن العقوبة."

ختاما ..
---------+---
آن الأوان أن نعيد الاعتبار للقانون، وأن نتوقف عن التماس الأعذار للمخالفين.
آن الأوان أن نؤمن أن التسامح في غير موضعه ضعفٌ يُغري بالتمادي، وأن هيبة الدولة تبدأ من صرامة القانون وعدالة تطبيقه.
 لأن من أمن العقوبة... أساء الأدب،
ومن ضاع منه الردع... فقد هويته وحضارته...
اللهم اجعل مصر بلدًا آمنًا مطمئنًا، واحفظها من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واحفظ قيادتها وجيشها وشعبها الكريم بقدرتك وادم عليها نعمة الامن والامان والاستقرار ..يارب العالمين  .
اللهم كن  عونًا ونصيرًا لاهل فلسطين واهل  غزة، اللهم ارفع عنهم البلاء، وانصرهم على من ظلمهم، اللهم انهم جوعى فاطعمهم مرضى فاشفهم خائفون فأمنهم  
واكتب لهم الفرج والنصر والعزة،
يا قوي يا عزيز، يا جبار السماوات والأرض.
--------------------------------------
 جمعتكم طيبة مباركة
 أ.د/ إبراهيم حسيني درويش
 الجمعة 25 يوليو 2025