عقوق الوالدين من أهم أسباب الشقاء والذل والهوان والضنك والفقر، بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على العاق، حيث قال: "رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة"، وقوله: "رغم أنف" أي التصق أنفه بالرغام وهو التراب وهو كناية عن الذلة والمهانة التي يلقاها العاق من أولاده، وكل على حسب عقوقه؛ لأنه كما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل بالله.
وعن شؤم العقوق يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله مَن عَقَّ والديه"، فالعاق مطرود من رحمة الله تعالى، وفي الآخرة قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث" فهؤلاء لا ينظر الله عز وجل اليهم نظرة رحمة؛ لأنهم مطرودون من رحمة الله، ومن الجنة التي عرضها السموات والأرض، فإنها تضيق على هذا العاق الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلوا الجنة العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنان بما أعطى".
وكل هذا جعل عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، قال صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين".
وفي الصحيحين يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة جريج وأمه فيقول: "كان جريج يتعبد في صومعة، فجاءت أمه، وجعلت كفها فوق حاجبها، ثم رفعت رأسها إليه تدعوه، فقالت: ياجريج! أنا أمك، كلمني، فصادفته يصلي، فقال: اللهم! أمي وصلاتي، فاختار صلاته، فرجعت ثم عادت في الثانية، فقالت: ياجريج! أنا أمك، فكلمني، قال: اللهم! أمي وصلاتي، فاختار صلاته، فقالت: اللهم! إن هذا جريج، وهو ابني، وإني كلمته فأبى أن يكلمني، اللهم! فلا تمته حتى تُرِيَهُ وجوه المومسات، قال: ولو دعت عليه أن يفتن لفتن، وكان راعي غنم يأوي إلى صومعته، فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الراعي، فحملت فولدت غلاما، فقيل لها: ما هذا؟ قالت: مِن جريج، قال فجاءوا بفؤسهم، فنادوه فصادفوه يصلي، فلم يكلمهم، قال فأخذوا يهدمون صومعته، فلما رأى ذلك نزل إليهم، فقالوا له: سل هذه، قال فتبسم ثم مسح رأس الصبي فقال: من أبوك؟ فقال الجنيب: أبي راعي الغنم، فلما سمعوا ذلك منه قالوا: نبني ما هدمنا من صومعتك بالذهب والفضة. قال: لا. ولكن أعيدوه ترابا كما كان.
فأم جريج تنادي عليه فلم يمنعه من إجابتها إلا الصلاة فتدعو عليه فيستجاب دعائها، وهذا لعظم حق الأم وعظيم عقوقها فدعت عليه أن يرى وجوه الفاجرات فيراها، ولو دعت عليه أن يقع في الفاحشة لوقع، فكل ما شغلك عن الوالدين فهو شؤم عليك.
ورغم أن جريج يعد من أولياء الله الصالحين، حيث نطق الصبي الجنين في المهد على يديه إلا أن هذا لم يشفع له في منع استجابة دعاء أمه عليه، فدعاء الوالدين على أولادهما مستجاب ولا يدعوان أبدا على أولادهما إلا بعد غاية القهر والإهانة؛ لأنهم بالفطرة يدعوان لأولادهما، وكذلك دعاء الوالدين أولادهما مستجاب؛ لأن دعائهما لا يصدر إلا من قلب مخلص صادق في محبة الأولاد، فالعاقل من يبر والديه ويفوز بدعائهما له، قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده".