تحدثنا كثيراً عن أعداء جمال عبد الناصر الذين يناصبونه العداء رغم رحيله منذ ٥٥ عام، وأكدنا أن هناك مواسم محددة تشتد فيها ضراوة الهجوم، في ذكرى ميلاده، وذكرى رحيله، وذكرى ثورته الكبرى ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وبالطبع ذكرى الهزيمة في ٥ يونيو ١٩٦٧، لكن هناك من يهاجم الرجل بدون مناسبة، وقد يعتقد البعض أنهم يقومون بذلك بدون سبب، وطواعية من أجل إثبات الذات، أو من أجل البقاء في دائرة الضوء بعدما انحصرت عنهم الأضواء وأصبحوا في طي النسيان، لكنني أرى الصورة من زاوية أخرى مختلفة تماماً، فكل هجوم على عبد الناصر سواء بمناسبة أو بغير مناسبة هو مقصود ومخطط ومدبر، والهجوم هنا لا يكون على شخص جمال عبد الناصر رغم أننا نعترف بأن الرجل سجل اسمه بحروف من نور في سجل التاريخ المصري والعربي والعالمي، لكن الهجوم والحرب التي لازالت مشتعلة تستهدف مشروع وفكر الرجل الذي لازال يقلق أعدائه، ويطير النوم من عيونهم، لذلك يحاولون طوال الوقت محاربة الرجل في قبره، وهنا يستعملون في ذلك أدواتهم المباشرة وغير المباشرة سواء في الداخل أو الخارج.
وللتعرف على أعداء جمال عبد الناصر يجب التأكيد على أنه أحد أبرز الزعماء العرب في القرن العشرين، الذي رفع شعار الاستقلال الوطني، وواجه الاستعمار الغربي والصهيونية في آن واحد، وبفضل مشروعه التحرري القومي، صار هدفاً مباشراً لغضب الغرب وإسرائيل، فقد رأى فيه الغرب خطراً على مصالحه الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة، بينما اعتبرته إسرائيل العدو الأول الذي يهدد وجودها، وفي إطار سعي جمال عبد الناصر للاستقلال الوطني ومناهضة الاستعمار قاد ثورة يوليو ١٩٥٢ التي أنهت النفوذ البريطاني في مصر، وأمم قناة السويس عام ١٩٥٦، موجهاً ضربة قوية لبريطانيا وفرنسا اللتين كانتا تعتبران القناة شرياناُ حيوياً لمصالحهما الاستعمارية، وبعد رفض الغرب تزويد مصر بالسلاح، اتجه عبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي وعقد صفقة الأسلحة التشيكية عام ١٩٥٥، وهو ما اعتبر تحدياً مباشراً لهيمنة الغرب، ثم قام بدعم حركات التحرر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وهو ما جعله رمزاً عالمياً لمقاومة الإمبريالية، وقام بإغلاق الهيمنة الاقتصادية عن طريق مشروع السد العالي وتمويله عبر الاتحاد السوفيتي، ثم تأميم الشركات الأجنبية والقطاعات الحيوية التي أنهت السيطرة الاقتصادية الغربية على مصر.
وجاء عداء إسرائيل لعبد الناصر بسبب موقفه الثابت تجاه عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، واعتباره جسماً غريباً زرعه الاستعمار في المنطقة، وقيامه بدعم حركات المقاومة الفلسطينية، حيث أسست منظمة التحرير الفلسطينية في عام ١٩٦٤، بدعم مصري مباشر لتوحيد النضال الفلسطيني، وفي حرب ١٩٥٦ وقف عبد الناصر في مواجهة العدوان الثلاثي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وفي حرب ١٩٦٧ خاضت مصر بقيادته مواجهة شرسة مع العدو الصهيوني رغم الهزيمة العسكرية، لكنه رفض الاستسلام وأطلق شعار لا تفاوض ولا صلح ولا اعتراف، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ورفع عبد الناصر راية القومية العربية ووحدة الصف العربي، وهو ما اعتبرته إسرائيل خطراً استراتيجياً على بقائها، إذ رأت أن قيام كتلة عربية موحدة بقيادة عبد الناصر يهدد وجودها.
ونظراً لهذا المشروع والفكر الذي تبناه جمال عبد الناصر ضد الاستعمار الغربي وإسرائيل بدأت حملة الهجوم عليه في حياته وبعد وفاته وحتى اليوم، ويمكن الاستشهاد بمقولات بعض القادة الغربيين والصهاينة والتي تؤكد حجم عدائهم للرجل فقد صرح أنطوني إيدن رئيس وزراء بريطانيا أثناء العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦ "لابد أن نخلص العالم من عبد الناصر، إنه طاغية يهدد مصالحنا في الشرق الأوسط، كما فعل هتلر في أوروبا"، ثم عاد وقال أمام البرلمان البريطاني "إن قناة السويس لا يمكن أن تترك في يد ناصر، وإلا فإن نفوذ بريطانيا في المنطقة سيتلاشى"، أما غي موليه رئيس وزراء فرنسا فقد قال "ناصر هو الخطر الأكبر على مصالح فرنسا في شمال إفريقيا، فهو يدعم الثوار في الجزائر بالسلاح والمال"، وأشار كذلك وزير الخارجية الفرنسي كريستيان بينو "يجب أن يسقط ناصر، لأنه يشعل الثورات ضد فرنسا من الجزائر إلى المغرب"، أما الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور خلال أزمة السويس فقد قال "إن أسلوب ناصر في تحدي الغرب لا يمكن أن يستمر كثيراً"، وصرح ريتشارد نيكسون حين كان نائباً للرئيس "عبد الناصر يعبر عن القومية العربية التي تحرمنا من نفط الشرق الأوسط "، وأشار جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي "عبد الناصر هو أخطر رجل على مصالح الغرب في الشرق الأوسط ".
أما أهم ما جاء على لسان قادة العدو الصهيوني فكان تصريح دافيد بن جوريون مؤسس الكيان وأول رئيس وزراء له حيث قال "عبد الناصر هو أخطر عدو واجهته إسرائيل، لأنه لا يحاربنا فقط بالسلاح، بل يحاربنا بالفكر والوحدة العربية"، أما ليفي أشكول رئيس وزراء العدو الصهيوني في ١٩٦٧ فقد قال "لو لم يكن جمال عبد الناصر موجوداً، لكان على إسرائيل أن تبحث عن مثيل له لتخيف العرب به"، ووصفته غولدا مائير رئيسة وزراء العدو الصهيوني في ١٩٦٩ بأنه "الزعيم الذي يوقظ الكوابيس في إسرائيل، فكلما تحدث ناصر إلى الجماهير العربية، كنا نشعر بالخطر يتضاعف"، أما موشيه ديان وزير الدفاع الصهيوني في عام ١٩٦٧ فقال "نحن لا نخشى الجيوش العربية مجتمعة بقدر ما نخشى رجلاً مثل عبد الناصر يوحدهم ضدنا"، وصرح مناحم بيجن رئيس وزراء العدو الصهيوني الذي وقع اتفاقية كامب ديفيد مع السادات "طالما بقي عبد الناصر، فلن تنعم إسرائيل بالهدوء".
هذه هي بعض تصريحات القادة الغربيين والتي تكشف أنهم رأوا في عبد الناصر ومشروعه وفكره عدواً مباشراً لمصالحهم الاستعمارية، ليس فقط في مصر، بل في كل المنطقة، لذا تلاقت مصالحهم مع العدو الصهيوني في التآمر عليه، ومحاولة تشويه صورته ليس فقط أثناء حياته لكن بعد وفاته، لذلك كل من حاول ولازال يحاول النيل من عبد الناصر ومشروعه وفكره ويصفه بكل نقيصة، هو مناصر للاستعمار والصهاينة وتابع لهما، ومنفذ لمخططاتهم التي وقف أمامها جمال عبد الناصر، ولم يتمكنوا من تحقيق أحلامهم في حياته، ولازالوا حتى اليوم يحاربون خطابه القومي الواضح الذي يرى أن الصراع مع الاستعمار والصهاينة ليس خياراً، بل ضرورة لحماية الوجود العربي، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم/ د. محمد سيد أحمد