تزدان محبة النبي صلى الله عليه وسلم متعة وتزداد لذة وحلاوة، إذا علم الناس مدى محبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وخوفه وحرصه عليهم، حتى تمنى الحبيب رؤية أحبابه، وقال: "وَدِدنا أنا قد رأينا إخواننا" فقال الصحابة: يا رسول الله، أولسنا إخوانك؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواني الذين يأتون من بعد"، فما أعظم هذه المحبة حيث ينزل النبي صلى الله عليه وسلم من علياء النبوة ويجعل أحبابه بمثابة الأخ من أخيه، والمواقف النبوية التي تدل على محبته صلى الله عليه وسلم للأمة كثيرة وعظيمة، والتي منها:
ـ دعائه لأمته في كل صلاة قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: رأيتُ من النبي صلى الله عليه وسلم طِيب نفس، فقلت: يا رسول الله! ادع الله لي، فقال: "اللهم اغفر لعائشة ما تقدَّم من ذنبها وما تأخر، وما أسرَّتْ وما أعلنتْ"، فضحكت عائشة رضي الله عنها حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيسرُّك دعائي؟" فقالت: وما لي لا يسرُّني دعاؤك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "والله إنها لدعوتي لأمَّتي في كل صلاة"، وفي هذا استجابة نبوية لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة: 103]، أي ادع الله تعالى لهم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم دعائه لأمته، حتى دعوته المستجابة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
ـ شفاعته لأمته صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث الشفاعة وسجوده صلى الله عليه وسلم الطويل تحت العرش، فقال الله تعالى له: ".. يا محمد! ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقول: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب".
ـ حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته، وبكائه خوفاً عليها من هول يوم القيامة حيث قرأ قول الله عز وجل في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقال عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الْمَائِدَةِ: 118]، فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي وبكى فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره - رسول الله صلى الله عليه وسلم- بما قال -، وهو أعلم- فقال الله تعالى يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك".
ـ رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته حتى بأعدائه قال ابن مسعود رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء، ضربه قومه فجرحوه وأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: "اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون"، هذه رحمته بأعدائه فكيف برحمته لأحبابه ومحبته وأوليائه! اللهم اجعلنا منهم يارب العالمين.