خيّم الحزن على مدينة المحلة الكبرى، وامتد لباقي محافظة الغربية، بل ولعموم الجمهورية، بعدما تحول فجر وليلة الجمعة إلى صباح السبت، المليء بالدموع والفقد، اندلعت النيران داخل مصبغة غزل البشبيشي في شارع السَرجة المتفرع من نعمان الأعصر بحي أول المحلة، فجر أمس الجمعة لتتحول دقائق معدودة إلى كارثة إنسانية كبرى، ليتم الإعلان مساء الجمعة أن الكارثة حصدت الأرواح وأصابت العشرات، وأعادت إلى الواجهة قضية غياب معايير الأمان الصناعي في بعض المنشآت.
فقد تحول الحادث إلى مأساة غيرت ملامح المدينة الصناعية الكبرى إلى الأبد، ألسنة اللهب التي اشتعلت في مصبغة "غزل البشبيشي" ابتلعت أرواحًا بريئة، وتركت خلفها صرخات أمهات ثكلى، وأطفال ينتظرون عودة آبائهم الذين لن يعودوا أبدًا، وداخل الأزقة المحيطة بالمصنع، اختلطت رائحة الدخان برائحة الدموع، وساد وجع الفقد الذي لا يُحتمل.
ورغم قسوة المشهد، لم تتأخر الدولة عن التدخل، إذ تحركت أجهزتها منذ اللحظة الأولى، فدفعت بقوات الإطفاء والإسعاف والشرطة إلى موقع الكارثة، وبدأت رحلة ميدانية من كبار المسؤولين لمتابعة كل تفاصيل الحادث وتداعياته، وتقديم الدعم الكامل للضحايا وأسرهم من اللحظات الأولى.
حصيلة ثقيلة للكارثة
أعلنت الأجهزة الرسمية أن الحادث أسفر عن استشهاد 13 شخصًا بينهم 3 من رجال الحماية المدنية الذين ضحّوا بأرواحهم لإنقاذ العالقين، فيما أصيب 41 آخرون، خرج منهم 25 مصابًا متعافيًا من المستشفى، بينما يتلقى الباقون رعاية طبية دقيقة داخل مستشفى المحلة العام.
المشهد داخل محيط المصنع كان صادمًا: أعمدة دخان كثيف، صرخات أهالٍ يفتشون بين ألسنة النار عن أبنائهم، ورجال إطفاء يقتحمون ألسنة اللهب بأجسادهم لإنقاذ الأرواح، في لحظة اختلط فيها الخوف بالشجاعة، والفقد بالأمل.
جهود الإطفاء والإنقاذ
دفعت قوات الحماية المدنية بعشرات السيارات لمواجهة الحريق، في عملية استمرت ساعات طويلة للسيطرة على ألسنة اللهب ومنع امتدادها إلى المباني المجاورة، ورغم صعوبة المهمة وضخامة النيران، نجحت الفرق في إخماد الحريق وإنقاذ عشرات العمال، لكن الثمن كان باهظًا بفقد 3 من رجالها الأبطال.
زيارة المحافظ ووزير العمل للمصابين
صباح اليوم السبت وعقب ما قضي محافظ الغربية وكبار المسؤولين بالمحافظة أمس الجمعة في متابعة الحادث والإشراف علي عمليات الإنقاذ وتقديم الدعم، انتقل اللواء أشرف الجندي محافظ الغربية، يرافقه وزير العمل محمد جبران، إلى مستشفى المحلة العام لمتابعة حالة المصابين، وخلال جولتهما، وجها إدارة المستشفى بتوفير كل المستلزمات الطبية والعلاجية حتى يتماثل المصابون للشفاء.
وقال المحافظ: "المصابين تحت رعاية طبية كاملة، وسنتابعهم لحظة بلحظة حتى عودتهم إلى حياتهم الطبيعية"، فيما أكد الوزير أن الدولة ملتزمة بدعم المتضررين ماديًا ومعنويًا، ولن تترك أسر الضحايا وحدها في مواجهة هذا المصاب الجلل.
تعويضات عاجلة للأسر
قررت وزارتا العمل والتضامن الاجتماعي صرف 400 ألف جنيه لأسرة كل متوفى من ضحايا الحادث، إضافة إلى صرف إعانات عاجلة للمصابين وفقًا للتقارير الطبية.
وقال وزير العمل: "لن نسمح بأن يضيع حق أي أسرة.. التعويضات ستصل فورًا إلى مستحقيها"، بينما شدد أنه توصل مع وزيرة التضامن الدكتورة مايا مرسي، وأن الدعم سيشمل أيضًا الجوانب النفسية والاجتماعية للأسر، وليس المادية فقط.
تقديم واجب العزاء ومتابعة موقع الحادث
حرص المحافظ والوزير على زيارة منازل أسر الشهداء لتقديم العزاء والمواساة، في مشاهد إنسانية مؤثرة، مؤكدين أن الدولة تقف بجانبهم في هذا الظرف العصيب، كما توجها إلى موقع الحادث لمتابعة تقارير اللجان الفنية والاطمئنان على سير التحقيقات.
القبض على صاحب المصنع والتحقيقات مستمرة
فيما أكدت مديرية أمن الغربية، أنه تم القبض على صاحب المصنع، وتحرير محضر رسمي بالواقعة، وعرضه على النيابة العامة التي بدأت تحقيقاتها، ورجحت المعاينات الأولية أن يكون ماس كهربائي السبب الرئيسي لاندلاع الحريق، بينما تواصل فرق المعمل الجنائي عملها لتحديد السبب بدقة ومحاسبة المسؤولين.
مشاهد إنسانية وسط الحزن
داخل المستشفى، تعالت دموع الأمهات اللاتي كن أمس يبحثن بين كشوف المصابين عن أبنائهن، وآباء يرفعون صور أحبائهم الشهداء في صمت موجع، أحد الناجين قال وهو يخرج متعافيًا: "كنت بين الموت والحياة.. رأيت زملائي يحترقون أمامي ولم أستطع إنقاذهم".
أما عائلات رجال الحماية المدنية، فكانت دموع الفخر تمتزج بمرارة الفقد، إذ ودّعوا أبناءهم الشهداء وهم يرفعون شعار التضحية من أجل إنقاذ الآخرين.
دعوات لمراجعة معايير السلامة
رغم المواساة الرسمية والشعبية، تصاعدت أصوات المواطنين مطالبة بتشديد الرقابة على المصانع والمصابيغ غير الملتزمة بمعايير الأمان الصناعي، وأكد خبراء أن الحادث يعكس الحاجة الملحة لإعادة النظر في تراخيص بعض المنشآت القديمة، وتوفير خطط إخلاء وتدريب للعاملين لمواجهة أي طارئ.