رئيس مجلس الإدارة
شريف عبد الغني
رئيس التحرير
ناصر أبو طاحون
رئيس التحرير التنفيذى
محمد عز
الأخبار العاجلة :
  1. الرئيسية
  2. وجهات نظر

الشيخ أبو بكر الجندي يكتب عن: ثقافة الاعتذار (1)

مهما كان الإنسان عاقلا ومعتدلاً، إلا أنه ليس بالمعصوم، فلربما يقع في الإساءة إلى أحد بالقول أو الفعل، أو ظلم أحدٍ عمداً أو خطأً، فتنقطع العلاقة بينهما وتنكسر الصلة، فينبغي لمَن أخطأ أن يبادر بالاعتذار، وغسل القلوب ووصل المقطوع وترميم المكسور.
 وأصل الاعتذار من المنع والاحتجاز، ومنه تعذرت الأمور إذا احتجزت عن الانقضاء، وكأن المخطئ يريد بالاعتذار أن يمنع نفسه من العقوبة والعتاب؛ ولهذا قال الخضر لموسى عليهما السلام معتذرا: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}[الكهف: 82]، وذلك بعدما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار، ولم يقدر موسى على رؤية هذه الأشياء دون إنكار، وبين الخضر وجهة الحق في فعله، وأنه معذور ومأمور من ربه تعالى.
ولما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم بعض حديثي الإسلام شيئًا من المغانم يتألف به قلوبهم، ووجد بعض الأنصار في نفسه شيئًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار وبين لهم عذره، ثم قال لهم معتذرًا: أما ترضون أن يرجع الناس بالشاء ‌والبعير ‌وترجعون برسول الله؟ فقالوا: رضينا يا رسول الله. فقال: أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا؟ تألفت بها قومًا أسلموا، ووكلتكم إِلى إيمانكم، فوالله لمن تنقلبون به خير مما ينقلبون به.
وهؤلاء إخوة يوسف عليه السلام حين عرفوه ورأوا فضل الله عليه، وتذكروا ذنبهم قالوا متأسفين ومعتذرين: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ}[ يوسف: 91] فما لامهم ولا عنفهم، بل قبل اعتذارهم وأقال عثرتهم ودعا لهم: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف: 92].
ولما سَبَّ أبو ذر رجلاً وعيَّره بأمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية! فجاء إلى عبده معتذراً على ما بَدَر منه، وهذا الاعتذار من التواضع الذي يرفع شأن صاحبه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله". فالصحابة أنفسه ليسوا بالمعصومين، فيذنبون، ويخطئون، ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون". 
وأولى من اعتذرنا إليه هو الله تعالى، فكم قصرنا وكم عصينا الله، وهو الحليم بنا يمهلنا لنتعذر ونتوب، حتى ولو بلغت ذنوبنا عنان السماء، فباب التوبة مفتوح حتى الموت، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر"، فإذا جاء الموت وجاءت القيامة فلا توبة ولا اعتذار، كما قال تعالى عن يوم القيامة: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}[المرسلات: 35، 36]، فماء الاعتراف يغسل لوثة الاقتراف، فبادر قبل أن تُبادَر من قبل أن يأتي يوم قال الله تعالى فيه: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }[غافر: 52]، وسارع بالاعتذار، وقل: يا رب، غلبتني نفسي الأمارة بالسوء، وغلبني هواي، فأضلني عن سبيلك، فخذ بيدي إليك أخذ الكرام عليك، وردني إليك رداً جميلاً، واغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم.