قد يُخطئ إنسانٌ في حقك فاجعل بابك مفتوحا لمَن جاءك معتذرا، وأقبل إليك منكسرا، فتقبل اعتذاره وتعفوا عنه ما أمكن، فقد قال الله تعالى في فضل العفو عن الناس: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[الشورى: 40]، الذين ظلموا أنفسهم بتفويت ثواب العفو، وإطفاء نار الغضب، وغسل قلوبهم بالإصلاح.
ولقد مدح الله تعالى في كتابه العافين عن الناس، فقال تعالى عنهم: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى: 37]، ففي غضبهم يغفرون ويسامحون، فكيف يكونون وهم راضون؟ إنها القلوب الصافية والأرواح الطاهرة، التي تجاوزت ما يعكر صفوها ويكدر مزاجها في طريقها لربها.
وعدم قبول اعتذار الناس من الهجر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "ومن هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه"، فنرى مَن يُخطئ ويتكبر عن الاعتذار، ومَن يتكبر ولا يقبل الاعتذار.
وهل يستوي رجلٌ أخطأ في حقك ثم يتجاهلك، ويتكبر عن الاعتذار إليك، مع رجل أساء إليك خطأً أو عمداً، ثم جاء صاغراً متواضعاً منكسراً يطلب منك العفو والمغفرة؟ لا لا يستويان مثلاً؛ ولهذا قال بعضهم: قد هابك من استتر، وما أساء إليك من اعتذر.
ولنا أسوة في النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقبل الاعتذار حتى من المنافقين الكاذبين؟ ففي معركة تبوك، حينما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وجاء المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له، وقبل منهم اعتذارهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، وكانوا بضعًا وثمانين رجلًا، حتى جاء كعب بن مالك، ثم قال والله يا رسول الله ما كان لي من عذر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما هذا فقد صدق"، يعني أن مَن قبله ما كانوا صادقين، ومع هذا فقد قَبِلَ اعتذارهم.
وندم عمر بن الخطاب مرة؛ لأنه لم يقبل اعتذار أبي بكر الصديق، فأتى أبا بكر، فوجده عند النبي صلى الله عليه وسلم الذي تمعر وجه غاضباً لا مِمَن أخطأ وإنما مِمَّن لا يقبلون اعتذار إخوانهم.
ويقول الحسن بن علي رضي الله عنه: لو أن رجلاً شتمني في أذني هذه، واعتذر إليَّ في الأخرى لقبلت عذره.
وقالت امرأة أيضًا وهي تتحدث عن أفضل أيامها: يوم أن تخاصم زوجها وتتشاجر مع بعلها، ولكن سرعان ما يعتذر إلي، وسرعان ما أقبل اعتذاره ونصطلح، فيبدل الله نار الحزن والغم جنةً وفَرَحاً، وعليه فإن بعض الخلاف نعمة من الله يُزيِّل الله به الملل بين الزوجين ويجدِّد به المودة والمحبة بين المتاحبين، وعسى{أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء: 19].
فالسعادة فن، والحفاظ على سكون القلب وهدوء النفس مهارة كمهارة قيادة السيارات في الشوارع والطرقات، تحتاج إلى فنان يعرف متى يسرع؟ متى يتمهل؟ متى يتقدم؟ متى يتأخر؟ متى يقف؟ متى يتحرك؟ مع تفادى المطبات والمزالق وأخطاء الآخرين، ولا يخطئ هو في أحد، فإن أخطأ سارع واعتذر، وإن أخطأ أحد في حقه واعتذر قبل اعتذاره، ومن لم يتقن فن الاعتذار أو ثقافة قبول الاعتذار فاته خير كثير وولت عنه راحة كبيرة، وجلب على نفسه كثيراً من الخصومات والعداوات.