الضمير هو قوة خفية باطنية تحث الإنسان علي الخير وتمنعه من الشر، وهو واعظ الله في قلب كل إنسان، وهو رقيب عليه أينما كان، وقد أقسم الله تعالي به في كتابه، فقال تعالي: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}[القيامة: 1، 2]، وهي التي تلوم صاحبها وتعاتبه إذا فعل شراً أو قصَّر في الخير، ولهذا دائما المؤمن على خوف ووجل من ذنوبه، كما في الحديث: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه".
والإثم أصله في اللغة من قولهم ناقة آثمة أي بطيئة، والأثيم سريع في معصية الله بطيء في طاعته الله، وبالتالي رزقه بطئ وفرحه بطيء، فإذا أردت سرعة الرزق والخير والسعادة فاشغل نفسك بالحق قبل أن تشغلك بالباطل، والذنب قريب من الإثمِ لغة، فهو من ذَنَب الدابة أي ذيلها الذي في عجزها ومؤخرتها، وكذلك المذنب متأخر عن طاعة الله وعن الرزق وعن السعادة، فالذنب يُعطلك يُعرقلك يُؤخرك.
والمؤشر الحساس لمعرفة الذنب والإثم هو الضمير، قال صلى الله عليه وسلم: "الإثم: ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس"، فالمعصية تسبب دوشةً في الذهن وصداعاً في الدماغ وضيقاً في الصدر تمنع من الهدوء والسكون والعيش السعيد الهَنِيء، فلا راحة مع وخز الضمير، ولا طمأنينة مع نغز الذنب؛ ولهذا ينبغي للعاقل أن يستجيب لداعي الضمير وواعظ القلب، والحرص الدائم على سلامة ضميره ويقظته؛ لينتقل بهذه النفس من اللوامة المضطربة إلى النفس الهادئة المطمئنة في الدنيا وفي الآخرة حينما يناديها ملك الموت: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي}[الفجر: 27 - 30].
وكلما زلت النفس أيقظها الضمير الحي، وأنذرها المؤشر الحساس بالخطر، فتسارع بالتوبة والاعتذار؛ لتفرح بالتوبة كما تعكرت بالمعصية، فيا فرحة التائب بتوبته! ويا فرحة الله بتوبة عباده! فالله أفرح بتوبة التائب من الظمآن الوارد، ومن العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، والله تعالى الحليم بنا يمهلنا لنعتذر ونتوب، حتى ولو بلغت ذنوبنا عنان السماء، فباب التوبة مفتوح حتى الموت، وفي الحديث: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر"، فإذا جاء الموت وجاءت القيامة فلا توبة ولا اعتذار، كما قال تعالى عن يوم القيامة: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}[المرسلات: 35، 36]، فماء الاعتراف يغسل لوثة الاقتراف، فبادر قبل أن تُبادَر من قبل أن يأتي يوم{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء: 88، 89].
أما من أصر على الذنب واستمر على الإثم، حتى طغت النفس وبغت، وكلما طغى هوى النفس ضعفت قوة الضمير، حتى يصل لدرجة الاحتضار، ومن ثَمَّ الموت، وتصبح النفس أمارة بالسوء ويصبح الضمير أسوداً مرباداً (أي قبيحاً لا كالأسود الأنيق) كالكوز مجخيا، أي فارغاً ومنكوساَ فلا يقبل أي خير، ولا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه؛ لأنه لا يرى ولا يسمع ولا يشعر، فالعقول معكوسة والفطرة منكوسة {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}[البقرة: 11، 12].